رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

المظلة الرمضانية الحلقة الـ17.. غزوة «بدر» الكبرى تدل على النصر والرحمة للإنسانية

الدكتور أحمد على
الدكتور أحمد على عثمان

غزوة بدر، أو بدر الكبرى، أو بدر القتال، أو يوم الفرقان، هي غزوة حدثت في السابع عشر من رمضان في العام الثاني من الهجرة، تدل على الرحمة والنصر للعالمين للإنسانية للحق والعدل، ومعاملة الأسرى كل على حسب ما يستحق.

سبحانك يارب تنصر قلة مؤمنة لعدد كبير لصناديض الكفر والغطرسة.

كانت الغزوة بين المسلمين بقيادة الرسول محمّد صلى الله عليه وسلم، وبين قبيلة قريش وحلفائها من العرب بقيادة عمرو بن هشام المخزوميّ القرشيّ، وتعتبر المعركة الأولى من معارك الإسلام الفاصلة.

وقد سمّيت ببدر نسبةً إلى وقوعها في منطقة بدر، وبدر هو بئرٌ معروفة تقع بين مكّة والمدينة المنوّرة.

وجاءت الغزوه فى سورة الأنفال منها آيه الأمن والأمان ونزول الماء٠

قال الله سبحانة وتعالى، " إِذْ يُغَشِّيكُمُ النُّعَاسَ أَمَنَةً مِنْهُ وَيُنَزِّلُ عَلَيْكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً لِيُطَهِّرَكُمْ بِهِ وَيُذْهِبَ عَنْكُمْ رِجْزَ الشَّيْطَانِ، وَلِيَرْبِطَ عَلَى قُلُوبِكُمْ وَيُثَبِّتَ بِهِ الْأَقْدَامَ.


قال القرطبي: وكان هذا النعاس في الليلة التي كان القتال من غدها، فكان النوم عجيبًا مع ما كان بين أيديهم من الأمر المهم، وكأن الله ربط جأشهم "أما رسول الإنسانية، فقد ظل يصلي ويبكي حتى أصبح، قال علي بن أبي طالب رضى الله عنه "ما كان فينا فارس يوم بدر غير المقداد على فرس أبلق، ولقد رأيتنا وما فينا إلا نائم، إلا رسول الله تحت شجرة يصلي ويبكي حتى أصبح" .

وبدأ الرسول بالتخطيط للمعركة، فصفَّ المسلمين فاستقبل المغرب، وجعل الشمس خلفه فاستقبل أعداؤه الشمس، أي جعل الشمس في ظهر جيشه وفي وجه أعدائه حتى تؤذي أشعتها أبصارهم.

كما أخذ يعدل الصفوف، ويقوم بتسويتها لكي تكون مستقيمة متراصة، وبيده سهم لا ريش له يعدل به الصف، فرأى رجلاً اسمه سواد بن غزية، وقد خرج من الصف فضربه في بطنه، وقال له: "استوِ يا سواد" ، فقال: «يا رسول الله أوجعتني، وقد بعثك الله بالحق والعدل فأقدني»، فكشف الرسول محمد عن بطنه وقال: استقد، فاعتنقه سواد فقبّل بطنه، فقال: ما حملك على هذا يا سواد؟، قال: «يا رسول الله أردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك، فدعا له الرسول محمد عليه افضل الصلاة والتسليم بخير.

ثم بدأ الرسول، بإصدار الأوامر والتوجيهات لجنده، ومنها أنه أمرهم برمي الأعداء إذا اقتربوا منهم، وليس وهم على بعد كبير، فقد قال: إن دنا القوم منكم فانضحوهم بالنبل، كما نهى عن سل السيوف إلى أن تتداخل الصفوف، قال ولا تسلوا السيوف حتى يغشوكم كما أمر الصحابةَ بالاقتصاد في الرمي، قال: واسْتَبْقُوا نَبْلَكم.

وقد كان لتشجيع الرسول لأصحابه أثرٌ كبيرٌ في نفوسهم ومعنوياتهم، فقد كان يحثهم على القتال ويحرضهم عليه، ومن ذلك قوله لأصحابه: قوموا إلى جنة عرضها السماوات والأرض فقال عمير بن الحمام الأنصاري: يا رسول الله جنة عرضها السماوات والأرض؟، قال: نعم، قال: «بخٍ بخٍ»، فقال الرسول الكريم، ما يحملك على قول: بخٍ بخٍ؟، قال: لا والله يا رسول الله، إلا رجاء أن أكون من أهلها ، قال: فإنك من أهلها ، فأخرج تمرات من قرنه (جعبة النشاب) فجعل يأكل منه، ثم قال: لئن أنا حييت حتى آكل تمراتي هذه إنها لحياة طويلة، فرمى بما كان معه من التمر ثم قاتلهم حتى قُتل.

ومن تشجيعه أيضاً أنه كان يبشر أصحابه بقتل صناديد قريش، ويحدد مكان قتلى كل واحد منهم، كما كان يبشر المسلمين بالنصر قبل بدء القتال فيقول: أبشر أبا بكر، ووقف يقول للصحابة: والذي نفس محمد بيده لا يقاتلهم اليوم رجل فيقتل صابرًا محتسبًا مقبلاً غير مدبر إلا أدخله الله الجنة.

وقد دعا الرسول للمسلمين بالنصر فقال: اللهم هذه قريش قد أقبلت بخيلائها وفخرها تحادّك وتكذب رسولك، اللهم نصرك الذي وعدتني.

أنزل الله تعالى المطر الكثير في تلك الليلة، مما أعاق تقدّم المشركين، وقد كان المطر على المسلمين خيراً أصابهم، حيث طهّرهم وأبعد عنهم رجس الشيطان، وسقى به الأرض، وثبّت الأقدام، وربط على قلوبهم؛ فسبق الرسول صلى الله عليه وسلم، وأصحابه إلى الماء، ونزلوا شطر الليل، وأعدّوا الحياض، ثمّ حبسوا ما عداها من الماء، وبني للرسول صلى الله عليه وسلم عريشٌ يُشرف منه على المعركة، ثمّ مشى في مكان المعركة، وهو يردّد: هذا مصرع فلان، وهذا مصرع فلان بإذن الله.

طلع المشركون وتقابل الجمعان، فدعا الرسول صلى الله عليه وسلم بالنصر، فقتلوا منهم سبعين وأسروا سبعين.

لما انتصر المسلمون يوم بدر ووقع في أيديهم سبعون أسيراً، قال الرسول عليه أفضل الصلاه والتسليم، ما تقولون في هؤلاء الأسرى؟ فقال أبو بكر الصديق: يا رسول الله قومك وأهلك، استبقهم واستأْنِ بهم لعل الله أن يتوب عليهم، وقال عمر: يا رسول الله، أخرجوك وكذبوك، قرِّبهم فاضرب أعناقهم، وقال عبد الله بن رواحة: يا رسول الله، انظر واديًا كثير الحطب، فأدخلهم فيه ثم اضرم عليهم نارًا فقال العباس: قطعت رحمك، فدخل الرسول محمد.

ولم يَرُدَّ عليهم شيئاً، فقال ناس: يأخذ بقول أبي بكر، وقال ناس: يأخذ بقول عمر، وقال ناس: يأخذ بقول عبد الله بن رواحة، فخرج عليهم الرسول محمد الكريم.

فقال: إن الله ليلين قلوب رجال فيه حتى تكون ألين من اللبن، وإن الله ليشد قلوب رجال فيه حتى تكون أشد من الحجارة، وإن مثلك يا أبا بكر كمثل إبراهيم عليه السلام قال: «فَمَن تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ» ومثلك يا أبا بكر كمثل عيسى قال: إِن تُعَذِّبْهُمْ فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ وَإِن تَغْفِرْ لَهُمْ فَإِنَّكَ أَنتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ،وإن مثلك يا عمر كمثل نوح إذ قال: وَقَالَ نُوحٌ رَبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا وإن مثلك ياعمر كمثل موسى قال: وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلَأَهُ زِينَةً وَأَمْوَالًا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلَا يُؤْمِنُوا حَتَّى يَرَوُا الْعَذَابَ الْأَلِيمَ ، ثم قال: أنتم عالة، فلا ينفلتن منهم أحد إلا بفداء أو ضرب عنق، قال عبد الله بن مسعود: يا رسول الله، إلا سهيل بن بيضاء فإنه يذكر الإسلام، فسكت الرسول الكريم. 

يقول ابن مسعود: فما رأيتُني في يوم أخوف أن تقع علي حجارة من السماء في ذلك اليوم، حتى قال الرسول الكريم، إلا سهيل بن بيضاء، فنزلت الآية: مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرَى حَتَّى يُثْخِنَ فِي الْأَرْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللَّهُ يُرِيدُ الْآَخِرَةَ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ .

لقد كانت معاملة الرسول محمد رسول الإنسانية للأسرى بأساليب متعددة، فهناك من قتله لخطرهم على الإنسانية، وبعضهم قبل فيهم الفداء، والبعض الآخر منَّ عليهم، وآخرون اشترط عليهم تعليم عشرة من أبناء المسلمين مقابل المنِّ عليهم. 


وكان الذين قتلهم المسلمون من الأسرى في بدر: عقبة بن أبي معيط والنضر بن الحارث، ويرى المسلمون أن قتلهم ضرورة تقتضيها المصلحة العامة ، فقد كانا من أكبر دعاة الحرب ، فبقاؤهما يعد مصدر خطر كبير .

ولما رجع الرسول محمد إلى المدينة المنورة فرَّق الأسرى بين أصحابه، وقال لهم: استوصوا بهم خيرًا، وقد روي عن أبي عزيز بن عمير أخي مصعب بن عمير أنه قال: «كنت في الأسرى يوم بدر، فقال رسول الله : استوصوا بالأسارى خيرًا، وكنت في نفر من الأنصار، فكانوا إذا قدموا غداءهم وعشاءهم أكلوا التمر، وأطعموني البُرَّ لوصية رسول الله.

وقال أبو العاص بن الربيع: كنت في رهط من الأنصار جزاهم الله خيرًا، كنا إذا تعشينا أو تغدينا آثروني بالخبز وأكلوا التمر، والخبز معهم قليل، والتمر زادهم، حتى إن الرجل لتقع في يده كسرة فيدفعها إليَّ، وكان الوليد بن الوليد بن المغيرة يقول مثل ذلك ويزيد: وكانوا يحملوننا ويمشون
وبعثت قريش إلى الرسول محمد في فداء أسراهم، ففدى كلُّ قوم أسيرَهم بما رضوا، وكان ناس من الأسرى يوم بدر ليس لهم فداء، فجعل الرسول، فداءهم أن يعلِّموا أولاد الأنصار الكتابة، وبذلك شرع الأسرى يعلِّمون غلمان المدينة القراءة والكتابة، وكل من يعلِّم عشرة من الغلمان يفدي نفسه.

صدق من سماك الرحيم وأرسلك ربك لتكون رحمة للعالمين، ورسالة جميع الأنبياء رحمة لا حرب سلام لا قتال أما القتال دفاع عن الحق فقط.

والرسول محمد ضرب المثل الأعلى فى السلم والحرب على أنه رحمة للعالمين.

تحياتى الدكتور أحمد على عثمان