رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

«قصة آية».. أسباب عتاب الله للمسلمين قبل غزوة «بدر»

قراءة القرآن - أرشيفية
قراءة القرآن - أرشيفية

«أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها».. أمرنا الله - سبحانه وتعالى - بتدبر القرآن وفهم معانيه، والآيات في ذلك كثيرة منها قوله تعالى: « إنا أنزلناه قرآنًا عربيًا لعلكم تعقلون».

واهتم المشايخ والعلماء بتفسير القرآن وأفردوا في ذلك مجلدات؛ مؤكدين أنه فرض على كل مسلم تدبر القرآن وفهمه ومعرفة الأوامر والنواهي والهدف من نزول الآيات.

ونظرًا لأن رمضان هو الشهر الذي أنزل فيه القرآن، ويعد من أكثر الأوقات التي يقبل خلالها المسلمون على قراءة كتاب الله مستغلين فرصة فتح أبواب الجنة للتقرب أكثر من الخالق يحرص موقع «النبأ» على عرض قصص وأسباب نزول بعض الآيات على سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم؛ حتى يتسنى لقارئ القرآن فهمه وتدبر معانيه.

قصة اليوم عن «غزوة بدر» أول مواجهة وقعت بين أهل الشرك وأهل الإيمان ورد ذكرها في سورة الأنفال في الآيات من «5 :8»، تبدأ أحداثها عندما بلغ النبي - صلى الله عليه وسلم- مسير قافلة لقريش يقودها أبو سفيان قد قدمت من الشام تقصد مكة، وتمر بقرب المدينة، فشاور عليه الصلاة والسلام أصحابه -رضي الله عنهم- فقال: « إني أخبرت عن عير أبي سفيان أنها مقبلة فهل لكم أن نخرج قبل هذا العير لعل الله يغنمناها»، فأجاب الصحابة: «نعم» فانتدب عليه الصلاة والسلام الناس للخروج فخف بعضهم وثقل بعض؛ وذلك أنهم لم يظنوا أن رسول الله يلقى حربا.

علم قائد القافلة أبو سفيان بمسير المسلمين إليه لأخذ قافلته فأرسل رسولا إلى أهل مكة يستنجدهم، فبلغ رسول أبي سفيان مكة، وأتى الإبطح مستصرخا مستنفرا، وعمل ما يعمله النذير بخطر وشيك؛ فوقف على راحلته، وحول رحله وشق قميصه، وجدع بعيره، يصيح بأعلى صوته: « يا معشر قريش، اللطيمة اللطيمة، أموالكم مع أبي سفيان وتجارتكم قد عرض لها محمد وأصحابه فالغوث الغوث».

وعلى إثر هذا الإنذار خرجت قريش مسرعة لإنقاذ عيرها ورجالها، واستعادة هيبتها، والنيل من المسلمين، يقودهم أبو جهل بن هشام، ولكن أبا سفيان -رضي الله عنه- كان من دهاة العرب، وأفذاذ الرجال؛ إذ غير طريق القافلة، ونجا بها من قبضة المسلمين، وأرسل إلى قريش يطمئنهم على عيرهم، ويطلب منهم العودة إلى مكة.

وهنا تخلف مقصود كلا الطائفتين؛ فالمسلمون خرجوا لطلب العير، والعير فاتتهم، والمشركون خرجوا لنجدتها، وقد نجت من قبضة المسلمين، وفي كل الحسابات البشرية أن كل طائفة ترجع إلى بلدها، ولا سيما مع عدم وجود التكافؤ بين الفريقين.

ولكن الرب جلاله له تدبير آخر غير تدبير البشر وتصوراتهم؛ فسلط سبحانه وتعالى أبا جهل على المشركين وهو قائدهم في ذلك الخروج فرفض رجوعهم رغم نجاة القافلة، ورغم رجوع بعض القبائل كبني زهرة لما زال سبب خروجهم من مكة، وما إصرار أبي جهل على المضي في هذا السبيل المجهول إلا ليحقق بزعمه مجدا لقريش أمام قبائل العرب، وليستعيد هيبة أهل مكة التي تضعضعت بهجرة المسلمين إلى المدينة، فقال معللا عدم رجوعهم إلى مكة: « والله لا نرجع حتى نأتي بدرا- وكانت بدر سوقا من أسواق العرب- فنقيم بها ثلاثا، فنطعم بها الطعام، وننحر بها الجزر، ونسقي بها الخمر، وتعزف علينا القيان، وتسمع جميع العرب بمخرجنا وأن محمدا لم يصب العير، وأنا قد أعضضناه، فلا يزالون يهابوننا بعدها أبدا».

هكذا سُلِط أبو جهل على نفسه وعلى من معه من المشركين؛ وأما المسلمون فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- استشارهم بعد أن نزل جبريل -عليه السلام- يخبره بأن الله تعالى قد وعده إحدى الطائفتين وقال لهم: « ما تقولون؟ إن القوم خرجوا من مكة على كل صعب وذلول، فالعير أحب إليكم أم النفير؟ قالوا: بل العير أحب إلينا من لقاء العدو»، فتغير وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم ردد عليهم فقال: « إن العير قد مضت إلى ساحل البحر، وهذا أبو جهل قد أقبل»، فقالوا: « يا رسول الله، عليك بالعير ودع العدو».

فقام عند غضب النبي صلى الله عليه وسلم أبو بكر وعمر فقالا فأحسنا، ثم قام سعد بن عبادة فقال: « انظر أمرك فوالله لو سرت إلى عدن ما تخلف عنك رجل من الأنصار»، ثم تتابع الصحابة رضي الله عنهم على ما أراد النبي - صلى الله عليه وسلم- من مواجهة المشركين.

وقد عرض القرآن لهذا الفصل العظيم من تدبير الله تعالى للمواجهة بين أهل الحق وأهل الباطل، وتهيئة أسباب ذلك، والمجادلة التي جرت بين أهل الإيمان وهم في بادئ الأمر لا يريدون إلا العير، ولا يريدون منازلة جيش لم يتهيئوا لمنازلته ﴿ كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ * يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ * وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ* لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَيُبْطِلَ الْبَاطِلَ وَلَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ ﴾ [الأنفال: 5 - 8].