رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

نسيان

عمر طاهر
عمر طاهر


بالرغم من الإمكانيات الكبيرة لمكتبة ما فإن ندوة أخيرة أقيمت لى هناك كانت تدار بواسطة (مايك) واحد فقط، وكان الحضور كلهم يتعاونون فى توصيل المايك ما بين الجلوس على المنصة وبين ضيوف أصحاب أسئلة فى آخر القاعة، كان المايك يستقر فى يد الضيف فيوجه لى ثلاثة أسئلة دفعة واحدة، وعلى بال ما يقطع المايك طريقه عائدًا لى كنت أنسى الأسئلة فيذكرنى بها الحضور، ما هذه الذاكرة الرديئة فى هذه السن المبكرة؟ كيف أصبت بهذا الخلل الفاضح، بُحت بالسر لبعض الأصدقاء فاكتشفت أن المشكلة عامة وليست شخصية، ثم سرعان ما صادفت نماذج أكثر تدهورًا بين أصدقاء آخرين..

شهور طويلة وأنا ألاحظ هذا الضعف أمام أحد برامج التوك شو، أعصر ذهنى لأعرف اسم هذا الضيف الذى نادرًا ما يغيب عن الشاشة فأفشل، أشاهد فيلمًا ما ثم تأتى فقرة الإعلانات وبعد دقائق أتحدى نفسى لمعرفة ما هو الفيلم الذى كنت أتابعه قبل أن تبدأ الإعلانات فأفشل، مصافحة دافئة وعناق حار لصديق قديم فى الشارع أدير الكلام معاه بـ (حبيبى) و(إيه يا عم) ثم أتذكر اسمه بعد المقابلة بيوم بينما أنا جالس فى الحمام، أين أشيائى؟ سؤالى الذى يتكرر كل يوم فى البيت بحثًا عن أشياء مختلفة (المحفظة، مفاتيح البيت، قلعت الخاتم فين؟ كتاب بدأت فى قراءته، النضارة، شاحن الموبايل، أنا كان عندى جزمة سوده هاف بوت صح؟ إنت عمرك ما جبت هاف بوت.. فعلًا؟، طول اليوم هناك شعور ما بوجود شىء كان لابد أن أفعله، هناك مهمة ما، أتذكرها عندما يكون الوقت قد مر بما يكفى لضياع فرصة القيام بها، أعرف أن بيل جيتس هو مؤسس مايكروسوفت.. فين بقى الراجل التانى بتاع آبل اسمه إيه، افتح جوجل واكتب «مؤسس آبل» يظهر اسم (ستيف جوبز) يشعر الواحد ساعتها بأورجازم ذهنى غير عادى.. ستيف جوبز هاااااح.

طيب سعيد صالح كان اسمه إيه فى فيلم «سلام يا صاحبى»؟، طيب أنا عملت التشهد الأولانى ولا دخلت فى الركعة التالتة على طول؟ لا أتذكر إن كنت قد أخذت حباية الضغط أم لا، إذا اعتبرت نفسى لم أخذها وهو ما لم يحدث وقررت أخذ واحدة الآن (هاهبط)، وإذا اعتبرت نفسى أخذتها وهو ما لم يحدث وتجاهلت الأمر (هاصدع)، ما بين اختيار (اهبط) ولا (أصدع) يدخل الواحد فى أجواء التوتر وابتدى (أرجع).

لم أدخل بعد فى سن ألزهايمر، بل المفاجأة أن الواحد قادر على تذكر تفاصيل تخص أشخاصا هم أنفسهم نسوها، ويسترجع أمام عائلته مشاهد من الطفولة يندهشون من أننى مازلت أذكرها، كما أننى لا أنسى إهانة أو غلاسة أو سوء ظن مر بالواحد خلال عمره كله، فما سر كل هذا التهنيج؟

منذ عدة أعوام كنت أجلس إلى جوار عم «أحمد فؤاد نجم»، أريد أن ألقى عليه قصيدة جديدة كتبتها، لكنه كان منهمكًا فى حل الكلمات المتقاطعة فى جريدة الجمهورية، ظللت أنتظره حتى مللت فقلت له: «إيه اللى انت مضيع وقتك فيه ده يا عم أحمد؟». فقال لى: عندما تصل إلى سنى ستعرف قيمة الكلمات المتقاطعة، فهى أفضل تدريب ينشط خلايا الذاكرة.

وصلت إلى سن عم أحمد إكلينيكيًّا وبت الآن أفتش عن الكلمات المتقاطعة لأعالج النسيان، ربنا يديك الصحة يا عم أحمد ويطول لنا فى عمرك.

نقلًا عن «المصري اليوم»