رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

مدفع رمضان "الصدفة التى تحولت إلى عادة شعبية"

النبأ




يعتبر مدفع رمضان أحد المظاهر الشعبية المصرية والتى بها يفرح الصائم عندما يسمع “مدفع الافطار، والصدف وحدها كانت السب في ارتباط الصائمين بالمدفع ، فهناك العديد من القصص الطريفة حول بداية ظهوره في حياة المصريين .

البداية
لبداية ظهور مدفع رمضان ودوره في حياة المصريين قصص طريفة ؛ أشهرها أن والي مصر في العصر الإخشيدي “خوشقدم” وكان يكنى بأبى سعيد وكان يجرب مدفعا جديدا أهداه له أحد الولاة ، وتصادف أن الطلقة الأولى جاءت وقت غروب شمس أول رمضان عام 859 هـ وعقب ذلك توافد على قصر “خوشقدم” الشيوخ وأهالي القاهرة يشكرونه على إطلاق المدفع في موعد الإفطار ، فاستمر إطلاقه بعد ذلك.


وهناك رواية تفيد أن بعض الجنود في عهد الخديوي إسماعيل كانوا يقومون بتنظيف أحد المدافع ، فانطلقت منه قذيفة دوت في سماء القاهرة ، وتصادف أن كان ذلك وقت أذان المغرب في أحد أيام رمضان، فظن الناس أن الحكومة اتبعت تقليدا جديدا للإعلان عن موعد الإفطار ، وصاروا يتحدثون بذلك، وقد علمت الحاجة فاطمة ابنة الخديوي إسماعيل بما حدث، فأعجبتها الفكرة، وأصدرت فرمانا يفيد باستخدام هذا المدفع عند الإفطار والإمساك وفى الأعياد الرسمية .

ومن الروايات الأخرى أن محمد علي الكبير والي مصر ومؤسس حكم الأسرة العلوية في مصر من عام 1805 كان يجرب مدفعا جديدا من المدافع التي استوردها من ألمانيا في إطار خططه لتحديث الجيش المصري ، فانطلقت أول طلقة وقت أذان المغرب في شهر رمضان ، فارتبط صوته في أذهان العامة بإفطار وسحور رمضان .

— القاهرة أول مدينة ينطلق منها المدفع
ومع اختلاف الروايات التى وضحت حكاية وتأريخ مدفع رمضان إلا أنها أجمعت على أن القاهرة عاصمة مصر أول مدينة ينطلق فيها مدفع رمضان .

— المدفع من قاهرة المعز إلى بلاد الشام
بدأت فكرة المدفع تنتشر في أقطار الشام أولا : القدس ودمشق ومدن الشام الأخرى ثم إلى بغداد في أواخر القرن التاسع عشر ، وبعدها انتقل إلى مدينة الكويت حيث جاء أول مدفع للكويت في عهد الشيخ مبارك الصباح ، وذلك عام 1907، ثم انتقل إلى كافة أقطار الخليج قبل بزوغ عصر النفط وكذلك اليمن والسودان وحتى دول غرب أفريقيا مثل تشاد والنيجرومالي ودول شرق آسيا حيث بدأ مدفع الإفطار عمله فى إندونسيا عام 1944م .

— مكان إنطلاق المدفع

في منتصف القرن التاسع عشر وتحديدا في عهد الخديوي عباس الأول عام 1853م كان ينطلق مدفعان للإفطار في القاهرة: الأول من القلعة، والثاني من سراي “عباس باشا الأول ” بالعباسية ، وفي عهد الخديوي “إسماعيل” تم التفكير في وضع المدفع في مكان مرتفع حتى يصل صوته لأكبر مساحة من القاهرة، واستقر في جبل المقطم حيث كان يحتفل قبل بداية شهر رمضان بخروجه من القلعة محمولا على عربة ذات عجلات ضخمة، ويعود بعد نهاية شهر رمضان والعيد إلى مخازن القلعة ثانية .

وتطورت وظيفة المدفع فكان أداة للإعلان عن رؤية هلال رمضان، فبعد ثبوت الرؤية تنطلق المدافع من القلعة ابتهاجا بشهر الصوم علاوة على إطلاقه 21 طلقة طوال أيام العيد الثلاثة.

— مدفع رمضان عبر أثير الراديو والتليفزيون

وهكذا استمر صوت المدفع عنصرا أساسيا في حياة المصريين الرمضانية من خلال المدفع الذي يعود إلى عصر “محمد علي” إلى أن ظهر الراديو، فتوقف إطلاقه من القلعة في أحيان كثيرة ، وإن ظل التسجيل الصوتي له يذاع يوميا عبر أثير الراديو والتليفزيون إلى أن قرر المسئولون أن تتم عملية بث الإطلاق على الهواء في أذان المغرب من القلعة ؛ حيث قرر وزير الداخلية المصري “أحمد رشدي” في عام 1983 إعادة إطلاق المدفع من “قلعة صلاح الدين الأيوبي” طوال رمضان في السحور والإفطار فعاد للمدفع دوره ورونقه.

إلا أن هيئة الآثار المصرية طلبت في بداية التسعينيات من وزارة الداخلية وقف إطلاقه من القلعة خوفا على المنطقة التي تعد متحفا مفتوحا للآثار الإسلامية ، إذ تضم قلعة “صلاح الدين الأيوبي” التي بناها عام 1183 م، و”الجامع المرمري” الذي بناه “محمد علي” الكبير وفقًا للطراز المعماري العثماني عام 1830م ،علاوة على جامعي “السلطان حسن”، و”الرفاعي”، و”متاحف القلعة الأربعة”. وحذرت الهيئة من أن إطلاق المدفع 60 مرة في سحور وإفطار رمضان و21 طلقة كل أذان في أيام العيد الثلاثة تؤثر على العمر الافتراضي لتلك الآثار بسبب الاهتزازات الناجمة عن إطلاقه.

وبالفعل تم التفكير في نقله إلى مكان آخر، واستقر الرأي على جبل المقطم مرة أخرى ، حيث تم نقل مدفعين من المدافع الثلاثة الباقية من أسرة محمد علي إلى هناك ، وتم الإبقاء على المدفع الثالث كمعلم سياحي في ساحة متحف الشرطة بقلعة صلاح الدين يطل من ربوة مرتفعة على القاهرة. وحتى الآن يسمع المصريون صوت المدفع عبر الراديو أو عبر شاشات التلفزيون التى تعتبر من تراث وتقليد رمضان في مصر .