رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

القوة العربية: الأصل والمسخ

عبد الله السناوي
عبد الله السناوي


التسريبات والتصريحات تومئ إلى تطور خطير محتمل فى مسار الأزمة السورية.
تسريبات صحيفة «وول ستريت جورنال» كشفت وتصريحات وزير الخارجية السعودى «عادل الجبير» أكدت اتصالات جارية الآن لإرسال قوات عربية إلى سوريا محل القوات الأمريكية المقرر سحبها بأقرب وقت.

الفكرة ليست جديدة، فقد اقترحتها السعودية على إدارة الرئيس الأمريكى السابق «باراك أوباما» غير أنه تجاهلها.

يصعب الادعاء أن الرياض أقنعت إدارة «دونالد ترامب» بما عجزت فيه مع سلفه، فقد أعلن عزمه أكثر من مرة على إنهاء الوجود العسكرى الأمريكى فى سوريا وتحميل دول الخليج جميع الأعباء المالية لأية عمليات عسكرية ـ كما حدث فى الضربة الثلاثية.

بنص تصريحات «الجبير»: «السعودية مستعدة لتحمل حصتها من الأعباء المالية مع حلفائها فى المسألة السورية».
المعنى بكل وضوح: قوات بديلة تتحمل الأعباء المالية وتخضع للإشراف العسكرى الأمريكى بكل متطلباته السياسية على نحو يكاد يقارب ما أسند لقوات «سوريا الديمقراطية» الكردية فى الرقة وأماكن أخرى، كأنها بيادق على رقعة شطرنج يحركها البيت الأبيض دون أن يكون لها رأى ومشورة.

أخطر ما كشفته الصحيفة الأمريكية أن هناك اتصالات تجرى من أطراف عربية مع شركة «بلاك ووترز» المتخصصة فى جلب عسكريين مرتزقة إلى مواطن الصراعات والحروب.

المرجح أن صاحب فكرة الاستعانة بـ«بلاك ووترز» سيئة الصيت، شأن جماعات المرتزقة المسلحة، هو «جون بولتون» مستشار الأمن القومى الأمريكى الجديد متأثرا بتجربته العراقية عندما كان يعمل قريبا من إدارة «جورج دبليو بوش».

كانت جرائم «بلاك ووترز» فى العراق المروعة بحق المدنيين العزل أحد أوجه السقوط الأخلاقى والسياسى للحرب، التى دمرت بلدا عربيا جوهريا وتركته نهبا لجماعات العنف والإرهاب والصراعات المذهبية.

القصد ـ الآن ـ أن تكون هناك قوات عربية بديلة تتولى إدارة عملياتها قوات مرتزقة متخصصة فى ذلك النوع من الحروب وأن يمتنع عن السوريين أى أمل فى تجاوز محنتهم بأى وقت منظور.
ذلك ينتهك أى معنى ويبتذل كل قيمة لمشروع «القوة العربية المشتركة».

هناك فارق جوهرى بين طلب المنعة العربية حسب اتفاقية الدفاع العربى المشترك والانخراط فى أعمال أقل ما توصف به أنها مخجلة.

فى بدء ولايته الأولى طرح الرئيس «عبدالفتاح السيسى» فكرة إنشاء قوة عربية مشتركة لردع أية تهديدات محتملة.

تلخصت المشكلة ـ وقتها ـ فى سؤالين رئيسيين: من العدو؟.. وأين الجبهة؟

وتبدت تباينات جوهرية فى النظر إلى الأزمتين السورية واليمنية وفى توصيف التنافس الإقليمى مع إيران أوقفت أية احتمالات للمضى فى المشروع المصرى.

مع بدء العمليات العسكرية فى اليمن، التى أسميت «عاصفة الحزم»، أعلنت السعودية موافقتها على ذلك المشروع أثناء القمة العربية فى شرم الشيخ.

كانت تلك مناورة استهدفت فى توقيتها إضفاء طابع عربى على «عاصفة الحزم» وأن أكبر دولة عربية من ضمن التحالف الذى تقوده السعودية.

لم تتورط القاهرة فى حرب اليمن بأثر خبرة الستينيات رغم نبل دوافعها فى انتشال بلد عربى شقيق من القرون الوسطى إلى العصور الحديثة.

كان ذلك تقديرا سليما لحقائق الموقف حيث يكاد يستحيل أى حسم عسكرى فوق تضاريس قاسية تحت تعقيدات سكانية وخرائط تحالفات متحولة.

وقد دفعت السعودية ثمنا باهظا اقتصاديا واستراتيجيا بالإفراط فى استخدام القوة دون أفق حل سياسى وأخلاقيا بالنظر إلى بشاعة الأحوال الإنسانية اليمنية التى تتجاوز الكوابيس.

بعد وقت لم يطل جرى التقويض النهائى للمشروع المصرى بإنشاء قوة عسكرية مشتركة على نحو غامض ومثير، ففى اليوم الذى تقرر فيه التوقيع على البروتوكولات بمقر الجامعة العربية من رؤساء أركان الجيوش المنضمة لتلك القوة ألغى الاجتماع إلى وقت غير معلوم بطلب سعودى.
بصورة أو أخرى أبدت السعودية، التى تمتلك قدرات مالية هائلة، تطلعا إلى دور عسكرى قيادى فى الإقليم لا تتوافر مقوماته على حساب دول أكثر سكانا وأقوى تسليحا وتدريبا وجاهزية.

كان مستلفتا أن تعلن من طرف واحد عن «تحالف عسكرى إسلامى» تحت قيادتها، وقد أخفق قبل أن يولد، حيث أعلنت باكستان وتركيا اعتراضهما على الانخراط فيه.

لمن القيادة العسكرية؟

هذا سؤال مكتوم فى كل المساجلات والاتصالات.

بحقائق حسابات القوة العسكرية لا يصح لأية دولة عربية أن تمانع فى القيادة المصرية.
هناك من يتصور أن الأوضاع الاقتصادية المصرية الصعبة مبرر كاف للحديث باسمها دون استشارتها، أو الوقوف على رأيها ـ كما هو الحال الآن فى الاتصالات الجارية بشأن قوة عربية عسكرية بديلة فى سوريا.

لم تكن تلك أول مرة تخرج الرياض عن أصول العلاقات بين الدول فى ملف الحرب والسلام ـ وهذه قضايا أمن قومى على درجة عالية من الخطورة والحساسية.

إذا كانت قد أطلعت القاهرة فهذه مأساة، وإذا لم تكن قد أطلعتها فهذه كارثة.

كيف تحول ما هو أصيل وطبيعى ومشروع فى طلب إنشاء قوة عربية مشتركة إلى ما هو مصطنع وغير طبيعى وغير مشروع؟

إنه طلب الانتقام بغض النظر عن حجم المخاطر المحدقة ومستقبل الوطن السورى نفسه.
كانت الجامعة العربية، التى يفترض أنها بيت العرب، عاجزة تماما عن بناء أية تصورات مشتركة لها القدرة على تغيير المعادلات.

فى البداية ران الصمت على جنباتها ثم أخذت تبدى الانزعاج وتتبنى دعوات الحوار بين الفرقاء السوريين، قبل أن تستقبل معارضين بمقرها انتهت إلى الفشل.

أرسلت بعثة مراقبة انتهت إلى فشل آخر.

أخيرا جمدت عضوية سوريا وأحالت الملف كله إلى مجلس الأمن.

كان ذلك خطأ فادحا أفضى فى محصلته الأخيرة إلى تهميش أدوار العالم العربى فى الملف السورى.

قبل فترة سأل وزير الخارجية الروسى «سيرجى لافروف» اثنين من كبار الدبلوماسيين المصريين السابقين التقاهما فى موسكو بدواعى صداقات قديمة: «إلى متى يبقى المقعد السورى شاغرا؟».

بالإجماع الدبلوماسى الدولى لا حسم عسكريا ممكنا للأزمة السورية وأن الحل الدبلوماسى وفق «صيغة جنييف» لا بديل سواه، غير أن الضربة الثلاثية التى لم تسفر عن أى تعديل فى الموازين السياسية والعسكرية تجعل من الصعب الرهان على أى تسوية قريبة.

ما بين فشل الضربة الثلاثية وإلحاح دولها على العودة للتفاوض تتبدى عبثية القوة العسكرية العربية البديلة فلا هى قادرة على الحسم ولا هى طرف جوهرى فى التفاوض.

قبل عامين ـ بالضبط ـ قال الرئيس المصرى أمام مجموعة من المثقفين فى قصر «الاتحادية»: «لن نتورط فى إرسال أى جنود لا لليمن ولا لسوريا ولا لأى مكان آخر».

هذا ما تود مصر أن تسمعه من جديد لقطع الطريق على أى ضغوط محتملة توريطا لها فيما هو ضد أمنها القومى.

نقلًا عن «الشروق»