رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

جمهورية «داعش» الثانية

أحمد المسلماني- أرشيفية
أحمد المسلماني- أرشيفية


استغرق ستون جيشاً ثلاث سنوات كاملة.. من أجل القضاء على تنظيم داعش، لقد كان ذلك أمراً صادماً للغاية.. كيف احتاج هذا التنظيم المحدود كل هذا الوقت وكل هذه الجهود؟.. كيف احتاجت حفنة من المجرمين إلى عشرات الجيوش.. من بينها جيوش أمريكا وروسيا وأوروبا.. من أجل هزيمتهم؟

إنه ليس تنظيماً قوياً بأىّ حال.. هكذا نعتقد جميعاً.. لكنه تنظيم يستقوى بمن وراءه.. بمن منحه السلاح والمعلومات، ومن منحه الإمداد والتموين.. والدولار والنفط.

لم تعد ما تنشره الصحف عن الدعم الخارجى للتنظيم من قبيل الأسرار الكبرى ولا حتى الصغرى، ولم يكن مفاجئاً ما توصلَّت إليه دراسة موّلها الاتحاد الأوروبى لصالح «مركز البحوث حول النزاعات المسلحة - CAR» بشأن تسلح داعش.. وهى الدراسة التى تعقبت حركة صواريخ مضادة للدبابات استخدمها تنظيم داعش وتركها بعد الهزيمة.. حيث اتضح أنها صواريخ بلغارية استوردتها الولايات المتحدة، ثم حصلت عليها جهات خليجية، ثم وصلت إلى داعش.

ومن قبل كان الملايين يتابعون عبر الشاشات طائرات إف 16 وهى تتابع قوافل داعش دون اشتباك، كما رصدت هيئات بحثية حركة سيارات «لاند كروزر» من المعارض إلى الدواعش.. مع تفاصيل خطوط السير والحركة.

(1)

هكذا تأسست «جمهورية داعش الأولى».. حتى سقطت. ويتساءل معظم العالم الآن: إلى أين يتجه فلول هذه الجمهورية؟ أى مكان سيذهبون إليه؟ وأى طريق سيسلكون وهم يواصلون المهمة اللعينة؟

يشير البعض إلى دول عربية وأفريقية.. لكن الإشارات الأكبر تتجه إلى آسيا.. إلى حواف روسيا.. إلى أفغانستان وآسيا الوسطى.

يمكن تصوُّر أن داعش أفغانستان التى تحاول الإطاحة بطالبان.. لتنهى المعادلات القديمة والحسابات القديمة، ولتبدأ المعادلات الجديدة والعمالة المتجدِّدة.. إنمّا تريد أن تجعل من جبال أفغانستان حاضنة إرهابية لأجل الانطلاق لاحقاً إلى الهدف الكبير.. إلى روسيا الاتحادية.

إن جمهورية داعش الثانية -ببساطة شديدة- يريد لها البعض أن تكون فى روسيا.. ذلك أن أثر تنظيم داعش فى الدولة الروسية إذا ما تمكن يفوق أثر استخدام سلاح نووى.. بكثير.

إن فى روسيا ملايين المسلمين، وحولها جمهوريات إسلامية.. وإذا ما نجح الإرهاب فى اختراق مساحات أوسع، وتجنيد أعداد أكبر.. فإنَّ روسيا تكون تحت تهديد سلاح الدمار الأيديولوجى الشامل.

تتحدث مراكز الدراسات عن القوة المتزايدة لداعش أفغانستان، وتتحدث أيضاً عن آلاف الدواعش فى آسيا الوسطى.. فى طاجيكستان، وأوزبكستان، وكازاخستان، وتركمانستان، وقيرغيزستان.. وتتهمّ وسائل الإعلام الروسية واشنطن بدعم داعش وإنهاء خدمة طالبان.

تتهم وسائل الإعلام الأمريكية موسكو بدعم طالبان لمنع داعش، وعلى الرغم من تصنيف روسيا لطالبان كحركة إرهابية، فإنها تعمل على إدماجها فى النظام عبر مفاوضات مع الحكومة فى كابول.

المعادلة طبقاً للحملات الإعلامية المتبادلة كالتالى: أمريكا تدعم داعش ضد طالبان، وروسيا تدعم طالبان ضد داعش.

(2)

يقولون فى آسيا: إن مستقبل آسيا الوسطى سوف يحدِّد مستقبل العالم.

لقد أصبح التطرف الدينى سلاح دمار شامل، ويشكل استخدامه أو منع استخدامه.. واحداً من أهم ركائز الحرب الباردة.

لقد أطاحت جمهورية داعش الأولى بالمشرق العربى.. أطاحت بالإنسان والمكان.. وحوَّلت عواصم حضارية كبرى إلى مساحة للجوع والخوف. ولقد تنفست المنطقة الصعداء حين انهزمت تلك الجمهورية الفوضوية.. بعد أن أعادت العرب والمسلمين عقوداً إلى الوراء.

لكن المفاجأة الكبرى.. أن تكون جمهورية داعش التى سقطت ليست إلّا الجمهورية الأولى.. وأن الجمهورية الثانية.. ربما تكون نتائجها أكثر خطراً على العالم.

الحمقى فقط هم من يتصورون أن الإرهاب يعمل تلقاء ذاته.. لقد تراجع عدد الحمقى كثيراً عما كان.. واليوم يدرك الجميع -تقريباً- خطأ تلك الخرافة الرائجة.. أن الفوضى لا صاحب لها.

إن تفتيت الدولة أخطر من تفتيت الذرَّة. تطيح القنبلة النووية بمئات الآلاف من الأشخاص، وتطيح الحرب الأهلية بكل شىء.. لقد باتت الأيديولوجيا أخطر سلاح دمار شامل فى عالم اليوم.. القوة التدميرية الهائلة لأعلى مستويات العقل.. هى ذاتها القوة التدميرية الهائلة لأناس بلا عقل.

التطرف هو القنبلة النووية فى القرن الحادى والعشرين.

حفظ الله الجيش.. حفظ الله مصر

نقلًا عن «الوطن»