رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

الدولة فى مواجهة إعلام «الأكاذيب والشائعات»

خيري رمضان - أرشيفية
خيري رمضان - أرشيفية


خلال الأسبوع قبل الماضي، أصدر النائب العام المستشار نبيل صادق، بيانًا، كلف فيه المحامين العامين ورؤساء النيابة العامة، بمتابعة ما ينشر في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي من أكاذيب وأخبار غير حقيقية تستهدف أمن وسلامة الوطن.

كما أمر النائب العام بضبط ما يبث ويصدر عن هذه الوسائل والمواقع عمدًا من أخبار أو بيانات أو شائعات كاذبة من شأنها تكدير الأمن العام أو إلقاء الرعب في نفوس أفراد المجتمع أو يترتب عليها إلحاق الضرر بالمصلحة العامة للدولة، واتخاذ ما يلزم من إجراءات جنائية.

وناشد النائب العام الجهات المسئولة عن الإعلام ووسائل التواصل الاجتماعي وانطلاقًا من التزامها المهني ودورها الوطني، إخطار النيابة العامة بكل ما يمثل خروجًا عن مواثيق الإعلام والنشر.

وجاء في البيان أن هذه الإجراءات جاءت في ضوء ما تلاحظ مؤخرًا من محاولة قوى الشر النيل من أمن وسلامة الوطن ببث ونشر الأكاذيب والأخبار غير الحقيقية من خلال وسائل الإعلام المختلفة ومواقع التواصل الاجتماعي».

في نفس السياق شدد الرئيس عبد الفتاح السيسي، على عدم السماح بالإساءة للقوات المسلحة والشرطة، مؤكدًا أن هذا السلوك لا يليق وليس من حرية الرأي  في شيء، ولا يقبله أو يسمح به، داعيا وسائل الإعلام وجموع المصريين للتصدي لمحاولة الإساءة للجيش والشرطة، واصفا الإساءة للجيش والشرطة بـ«الخيانة العظمى».

بيان النائب العام وتصريحات السيسي أثارت الكثير من القلق لدى العاملين في الوسط الإعلامي والصحفي، لاسيما وأن البعض زعم أن هذه الإجراءات وتلك التصريحات ضد حرية الرأي والتعبير وضد حرية الصحافة والإعلام، وأنها سوف تؤدي لحبس كل الصحفيين والإعلاميين.

وجاء هذا القلق رغم رسائل الاطمئنان من جانب المؤسسات المسئولة عن الصحافة والإعلام في مصر، والتي أكدت دعمها لهذه القرارات وتلك التصريحات، وأنها لا تمس من قريب أو بعيد حرية الرأي والتعبير.

فقد دافعت نقابة الصحفيين على لسان حاتم زكريا، السكرتير العام للنقابة عن بيان النائب العام، بالقول: «إن بيان النائب العام بشأن متابعة وضبط وسائل الإعلام التي تبث الأكاذيب والأخبار غير الحقيقية، يأتي كتأكيد على القوانين القائمة بالفعل، وليس أمرًا مستحدثًا يهدف للتضييق على الإعلام والصحافة».

وأضاف «زكريا»، أن هناك العديد من القوانين القائمة التي تجرم نشر أخبار كاذبة وغير حقيقية، ولكن تصريحات النائب العام نوع من التأكيد، مؤكدا أن الصحفيين ليس لديهم مشكلة فيما يخص هذا البيان، خاصة أنهم غير مقصودين به.

كما دافع حمدي الكنيسي، نقيب الإعلاميين، عن بيان النائب العام، قائلا: «من يتابع ما يحدث في بعض الدول لن يفاجأ بقرار النائب العام بشأن متابعة وضبط وسائل الإعلام التي تبث الأكاذيب والأخبار غير الحقيقية، لأن بعض الدول اكتشفت أن هناك بعض وسائل التواصل الاجتماعي أو وسائل الإعلام، تتعمد بقصد أو بسوء نية الإساءة للدولة أو الاشتراك بشكل مباشر أو غير مباشر في المؤامرات التي يدبرها أعداء الوطن في الداخل والخارج، خصوصا مع اقتراب الانتخابات».

كما أيد مجلس النواب هذا القرار، وأكد اللواء كمال عامر، رئيس لجنة الدفاع والأمن القومي بـ«مجلس النواب»، أن قرار النائب العام لا يمس حرية الصحافة والإعلام، مشيرًا إلى أن القرار يستهدف متابعة وسائل الإعلام؛ للتأكد من الالتزام بالمعايير المهنية وعدم تشويه صورة البلاد، مؤكدا أنه لن يتم ضبط إلا وسائل الإعلام المغرضة التي تتعمد بث الشائعات أو المعلومات غير الصحيحة التي من شأنها تكدير السلم العام للبلاد.

في سياق متصل، أثار ما حدث مع الإعلامي خيري رمضان الكثير من الجدل في الوسط الإعلامي والسياسي، لاسيما وأنه جاء بعد حديث السيسي الذي وصف فيه الإساءة للجيش والشرطة بـ«الخيانة العظمى».

وتقدمت وزارة الداخلية بالبلاغ رقم 1171 لسنة 2018 ضد الإعلامي خيري رمضان، بتهم تتعلق بالإساءة إلى ضباط وهيئة الشرطة وإذاعة أخبار كاذبة في برنامجه «مصر النهاردة»، وقد تم حبسه 4 أيام على ذمة التحقيقات قبل أن يتم إخلاء سبيله بكفالة 10 آلاف جنيه، حيث تم التحقيق معه بتهمة الإساءة إلى الشرطة وإهانة ضباطها وأسرهم.  

وكان الإعلامي قد ذكر في برنامجه أن زوجة أحد ضباط الشرطة أرسلت له رسالة تؤكد فيها معاناتها ومعاناة زوجات وأسر ضباط الشرطة، بسبب ضعف رواتبهم وأنها لا تستطيع سداد مصروفات المدارس لأولادها، كما ذكرت أنها تفكر في العمل كخادمة للإنفاق على الأسرة.

وأبدى الإعلامي عمرو أديب قلقه مما سماه «حالة الخوف والشك» التي أصبحت تسيطر على الإعلام والمجتمع بعد حبس الإعلامي خيري رمضان، مشيرًا إلى أنه لا يرغب في أن تتحول الواقعة إلى «حالة مرضية منتشرة في البلد».

وأضاف «أديب» في برنامجه «كل يوم» أنه من المفترض بعد ثورتين أن يشعر الناس بالأمان في التعبير عن آرائهم بكل حرية دون خوف بعيدًا عن النيل من الجيش والشرطة وعدم استغلال الموقف والتجاوزات بالشتائم والألفاظ النابية ضد الدولة ومؤسساتها.

وأوضح أنه تولد إحساس لدى الناس الفترة الحالية أن من يتحدث في أي أمر سيكون مصيره السجن مثل خيري رمضان.

وأضاف أن الإعلام المصري وقف في صف الدولة المصرية ضد الإخوان، متسائلًا: «ماذا لو اتفق هذا الإعلام مع الإخوان قبل 30 يونيو، كيف سيكون الوضع الحالي للوطن؟ النهاردة بقينا كلنا إخوانجية ومطبلاتية وضد البلد، أنتو نسيتونا، لا اللي وقف مع البلد نفع ولا اللي وقف ضدها نفع، طيب قولوا لنا مين اللى نفع».

كما قالت الإعلامية لميس الحديدي، إن خيري كان يحسن القصد، ولم يكن يريد الإساءة لأحد.

عن هذا الموضوع، يقول اللواء حسام سويلم، الخبير العسكري والاستراتيجي، إن ما قاله السيسي من أن الإساءة للجيش والشرطة «خيانة عظمى» شيء بديهي؛ لأن مصر في حالة حرب، وأن هناك محاولات لضرب الجيش والشرطة واتهامهما اتهامات باطلة، في ظل التضحيات التي يقدمها رجال الجيش والشرطة من أجل حماية الشعب.

وأضاف «سويلم» أن مواجهة الحرب الإعلامية التي تشن من الخارج مسئولية هيئة الاستعلامات، ومن خلال «فضح» هذه الوسائل سواء عن طريق المؤتمرات التي تعقد في الخارج، أو من خلال المقالات في الصحف الأجنبية، ومن خلال وكالات الأنباء العالمية مثلما حدث مع قضية زبيدة.

وأكد الخبير العسكري، أن الشرطة في المرحلة الحالية لا تقل أهمية عن الجيش، لأن مصر الآن تحارب في خمس اتجاهات استراتيجية، الجهة الشرقية والغربية والشمالية والجنوبية، بالإضافة إلى الجبهة الداخلية داخل المحافظات، أو ما يعرف بجبهة «الضرب في اللحم الحي»، والشرطة هي التي توجه هذه الحرب الداخلية، واصفًا الذين يقولون إن ذلك ضد حرية الرأي والتعبير بالخونة.

ويقول الدكتور حسن على، أستاذ الإعلام في جامعة المنيا، إن الرقابة على الإعلام ومحاسبته تكون من خلال المؤسسات والنقابات الإعلامية المتخصصة مثل المجلس الأعلى للإعلام، والهيئة الوطنية للصحافة، مشيرًا إلى أن مشكلة الإعلام الأساسية هي عدم وجود معلومة، مشيرا إلى أن الإعلام المصري هو «إعلام مصاطب».

وأضاف «على»، أن الإعلام المصري يعاني من «شح المعلومات»، وأن مواجهة الإعلام الخارجي لن تكون إلا من خلال توافر المعلومة، مؤكدًا أن التضييق على الإعلام الداخلي يصب في صالح الإعلام الخارجي بنسبة مليون في المائة، موضحا أن الجيش في حالة حرب ويجب التعامل معه بحذر شديد، وفي حالات الطوارئ يجب الحصول على المعلومات من الجهات الرسمية كما يحدث في كل دول العالم، مشيرا إلى أن الشرطة هيئة مدنية تطبق عليها القوانين المدنية، وبالتالي الكشف عن أخطائها لا يمثل إساءة لها مثلها مثل أي هيئة مدنية أخرى.

ويرى جمال فهمي، عضو مجلس نقابة الصحفيين السابق، أن هذه القرارات لها آثار سلبية على حرية الرأي والتعبير في مصر، وتزيد من المناخ الضاغط على حرية الصحافة والإعلام، مشيرا إلى أن المجتمع خسر مساحة كبيرة من حرية الرأي والتعبير، بعد ثورة 30 يونيو بسبب الإجراءات التي تم اتخاذها لمواجهة الإرهاب.

وأضاف «فهمي» أن مواجهة الأخبار الكاذبة والشائعات في العالم كله يكون بالرد عليها وتكذيبها، وليس بحبس أصحاب الرأي، مشيرا إلى أن حبس أصحاب الرأي «مؤذى جدا» للمجتمع وتطوره، وضار جدا بالبلد وصورة الحكم، كما أنه يعطل التطور الديمقراطي ويلحق أشد الأذى بصورة مصر في الخارج، مشددا على أن مكافحة الإرهاب وحماية الدولة لا يكون بهذا التوسع الشديد في الإجراءات الاستثنائية.

ولفت عضو مجلس نقابة الصحفيين السابق إلى أنه لا يجوز أن تكون هذه هي صورة مصر التي أطاحت بـ«عصابة الإخوان»، مشيرا إلى أن الأمر في حاجة إلى صوت العقل، لأن ما يحدث شيء بالغ الخطورة، مؤكدا أن الجيش «خط أحمر» ومقدس جدًا عند المصريين، والشعب يحفظ له دائما قدرًا كبيرًا من الهيبة والاحترام، لكن الشرطة لا يمكن أن تحصل على نفس الحصانة التي منحها الشعب للجيش، لأنها تتعامل مع الشعب بشكل يومي، وبالتالي ارتكاب بعض أفرادها للأخطاء «وارد».

وأكد «فهمي» أن مواجهة الإعلام الداخلي والخارجي تكون بالحقائق وليس بالبوليس أو الإجراءات، لأن هذه الإجراءات عفا عليها الزمن وتأتي بنتائج عكسية، والمحافظة على صورة مصر في الخارج يكون بإعلام الحقائق والتعامل مع أي شيء ينشر عن مصر برصانة ووضوح والاعتراف بالأخطاء، لاسيما وأن الإجراءات الاستثنائية والبوليسية تزيد الأمر سوءا.

وقال «فهمي»، إن مصر تخوض معركة كبيرة جدا مع الإرهاب والإجرام والتخريب، والسلاح الوحيد لمواجهتها هو الحفاظ على وحدة الشعب المصري، من خلال الاعتراف بالتنوع وتعدد الأصوات الوطنية، لأن ذلك يحمى البلد ويقوى الجبهة الداخلية، مشيرا إلى أنه حدث تضخيم شديد في التعامل مع أزمة «شبكة بي بي سي»، مشيرا إلى أنه لا يجوز للدولة المصرية بحجمها أن تدخل في حرب مع وسيلة إعلامية مهما كان حجمها.

ويقول الخبير الأمني اللواء علاء بازيد، إن تصريح السيسي الذي قال فيه إن الإساءة للجيش والشرطة «خيانة عظمى» جاء متأخرًا، مشيرا إلى أن مصر تخوض حرب معلومات تهدف إلى خلق حالة من الإحباط لانهيار الدولة، مشيرا إلى أن الجيش والشرطة هما العمود الفقري لأي دولة، وبالتالي إسقاط الدولة يبدأ بضرب الجيش والشرطة.

وأضاف «بازيد»، أن إسقاط أي دولة يبدأ بضرب منظومة الأمن لأن ذلك يؤدي بالتبعية إلى إسقاط مؤسسة القضاء، لأن الذي ينفذ الأحكام ويحمي رجال القضاء هم رجال الأمن، لاسيما وأن الجيش غير مؤهل للتعامل مع المواطنين مثل الشرطة، مشيرا إلى أن احتكاك الجيوش بالشعوب يتم اتخاذه ذريعة للتدخل الخارجي في شئون الدول، كما حدث مع الجيشين الليبي والسوري.

ولفت الخبير الأمني إلى أن هناك فرقًا بين الحرية والفوضى، فالحرية حق لكل مواطن لكن لها حدود وتتوقف عند حرية الآخر، والحرية ليست مطلقة، ولكنها نسبية وتخضع للقانون، مشيرا إلى أن رجل الشرطة بشر يخطأ ويصيب، وبالتالي الأخطاء الفردية داخل جهاز الشرطة واردة، لكن هذه لا يعني أن يتم تشويه رجل الشرطة والإساءة إليه، مؤكدًا أن «الخيانة العظمى» تكون في وقت الحرب، ومصر تخوض حربًا ضروسًا مع الإرهاب، لافتا إلى أن ما قام به الإعلامي خيري رمضان كان خطأ كبيرًا.