رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

عندما دخلت الأوبرا لأول مرة!

محمد على ابراهيم
محمد على ابراهيم


خلعت الحذاء ودخلت الأوبرا مع المديرة د. ماجدة صالح لأول مرة أتفرج على روعة العمارة والهندسة والإدارة اليابانية: الرخام الوردي من إيطاليا، والخشب سويدي، واللمبات تشيكية، والذوق الرقيق ياباني.

أعلنت اليابان أنها سوف تسلم المبنى بعد 34 شهرًا.. فقلنا لا مانع حتى بعد أربعين لأننا متعودون على التأجيل والتسويف.. لكن التنفيذ جاء بالموعد المحدد تماما.. 34 شهرًا باليوم والساعة، وفي حفل متواضع جدًا تسلمنا دار الأوبرا إلا قليلًا.. والقليل هو اللمسات الأخيرة في الأرض وعلى الجدران.. المسرح فخم وردي وأحمر.. وقاعات التدريبات على الرقص والتمثيل والموسيقى واسعة أنيقة نظيفة جدًا.. والأجنحة والمسرح نفسه والإدارة المسرحية وكل شيء يعتمد على الكمبيوتر، ولذلك فاليابانيون جعلوا الموظفين قليلي العدد ربما ثلاثة: مدير ووكيل وسكرتارية- وكان الله بالسر عليمًا!.

واليابانيون يؤمنون بأن ثلاثة ممتازين أحسن من مائة لا كفاءة لهم. واليابانيون لا يعرفون أن بين كل ألف من الموظفين يوجد 990 يرون أنهم أكفأ الناس وأحق بالإقامة في الأوبرا وحتى لو لم تكن لهم ضرورة.. هذه إحدى مشاكلنا.. أما الفزع الكبير الذي تولانا فهو كيف ندير هذه الأوبرا؟ وكيف نصون المبنى أرضًا وجدرانًا ومقاعد وحجرات وأبوابًا؟ وكيف لا نسمح باللب والسوداني.. وكيف يجلس أولاد بواب الوزارة في المقاعد التي اعتذر عنها السيد الوكيل في آخر لحظة.

ويوم طلبنا من اليابان أن تساعدنا في بناء أوبرا، اعتذروا لأن القانون يمنع بناء المسارح ودور الأوبرا.. فقط يسمح ببناء المدارس والمعاهد والكليات، فالبلاد التي دمرتها اليابان في آسيا بها ألوف الكباريهات وبيوت الدعارة والتدليك على البارد والساخن.. فكيف تبنى كل ذلك بفلوس الشعب الذي عاش بعد القنبلة الذرية يتعب ويتفوَّق؟!

واتفقنا على أن نسمي الأوبرا مركزًا- هم يقولون: المركز، ونحن نقول الأوبرا، نحن نكتب لهم في رسائلنا دار الأوبرا، وهم يردون «المركز الثقافي» وقد اكتمل ما نسميه الأوبرا وما يسمونه المركز- تحفة إسلامية أنيقة الأرض والسقف والجدران والمقاعد.. انتهى الجانب السهل من الأوبرا وبقي الجانب الصعب جدًا: الإدارة والصيانة، وسوف يكون الصعب صعبًا جدًا بعد ستة شهور من افتتاحها عندما يعود اليابانيون إلى بلادهم!.

لكن لدهشتي الآن أننا نجحنا في الأوبرا.. وأتساءل: لماذا لا ننجح في باقي المشروعات؟ تبدأ جميلة ثم يأكلها الإهمال والروتين والمحسوبية والفساد.. وتجد نفسك أمام سؤال مهم: هل الأفضل أن يضع الأساس أجنبي ويتولى الإشراف بعد ذلك لفترات قد تطول أو تقصر أم نضع نحن الأساس تقليدا للأجانب ونرغم أنفسنا على السير على هداه؟..

نقلًا عن«المصري اليوم»