رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

طبق واحد.. مطعم وحيد.. الحمد لله!

محمد على ابراهيم
محمد على ابراهيم


التنوع طبيعة بشرية... الله أعلم بطبائع الناس واختلاف مشاربهم حتى فى دياناتهم «لو شاء ربك لآمن من فى الأرض كلهم جميعا».. لا يمكن لأسرة واحدة أن تشجع الأهلى مثلا.. نجد منهم من يميل للزمالك.. والدى رحمة الله عليه كان يشجع «الترسانة» لأنه عشق الشاذلى ومصطفى رياض.. لم يطردنى من المنزل لأنى أهلاوى... لم يطلق أمى لأنها زملكاوية... من ثم فإن الهجوم والتهديد والمعايرة لكل من يعارض رأيا لا تؤتى بالثمار المرجوة... على العكس التقارب والاحتواء فى السياسة يكسر الحواجز ويحطم القوالب ويذيب الجليد... إننا نعيش عصر العالم قرية صغيرة.. لن ينفع أن تخدع الكاميرا وتقدم صورة ملونة وهى أبيض وأسود... كما لن يجدى كل المكياج ومساحيق التجميل وبحور الشعر والشعراء فى تحويل القبح إلى جمال أو تشويه الحسن وتقديمه فى صور سيئة...

هذا الكلام سببه ما يتردد حاليا عن قمع المتآمرين الذين يريدون العودة إلى ما قبل يناير2011.. لا أحد طالب بذلك.. كل ما فى الأمر أننا أصبحنا نعيش تحت علامة استفهام كبيرة.. تسأل ولا يرد عليك أحد.. نطالب بقانون معلومات يقولون لك بعدين.. تحاول أن تلفت الأنظار إلى أن التغطيات الإخبارية الأجنبية للانتخابات الرئاسية سلبية جدا.. يجيبونك ملكش دعوة أهل مكة أدرى بشعابها... تبحث عن تقرير صحفى محايد أو حقوقى فتواجه تهما قد تنقلك وراء القضبان.. الاقتصاد- مثلا- له عشرين نظرية أو أسلوبا لو ناقشت إحداها فأنت تسعى لتخريب الاستثمار... باختصار يا سادتنا الكبار الإعلام الأوحد لم يحسن صورة البلد.. أنفقنا ملايين الدولارات على شركات تسويق ودعاية وإعلان واشترينا عشرات المحطات التليفزيونية بالمليارات فماذا كانت النتيجة.. للأسف صفر.. أتمنى أن تكون لهيئة الاستعلامات شجاعة الإفصاح عن التقارير السلبية عنا..

هل العالم كله ضدنا؟ حسنا لا أستطيع تصديق مقولة أن يذهبوا للجحيم.. أنا مذعور من صورتنا الخارجية المكتوبة بكل لغات العالم كأنها توحدت ضدنا.. هل عجزنا عن إقناع أحد بإنجازاتنا ليكتب عنها ولا نتهمه بالتآمر أو الفساد... الصحف شرقا وغربا.. عربا وعجما تقول إنها ليست انتخابات بل استفتاء بعد أن تم استبعاد المرشحين المحتملين.. لا يمكن أن تربط المؤامرة بين الصحف الأمريكية والهندية أو العربية.. المعنى واحد.. رئيس يسابق نفسه أو حصان قوى يجرى سباقا بمفرده فلا يشاهده أحد..

المرشح المنافس للرئيس يؤيده علنا ثم يعارضه كديكور.. كان بسمارك موحد ألمانيا يقول إذا احترمنى الأعداء سيعبدنى الألمان.. ما سأنقله هنا اقتباس أو صياغة مهذبة لما يكتب فى الخارج وهو مجرد محاولة للفت الأنظار إلى أننا لم نعد نعيش وحدنا.. بصراحة الصحفيون الأجانب مندهشون مما يتردد أن المرشحين ينسحبون بعد الضغط عليهم... تساءلت صحيفة «الجارديان» البريطانية وغيرها إذا كانوا فاسدين لماذا تركوهم حتى تقدموا وإذا كانوا أكفاء لماذا لم يتأهلوا حتى لو على سبيل الإخراج الجيد للعملية..

أعود للأمثلة فأقول إن العدد السابق من النيوزويك الأمريكية أسقط الانتخابات الروسية على المصرية ملمحا إلى أن إعلام الدولتين يؤكد على الشعبية الجارفة لبوتين والرئيس السيسى.. وتتساءل المجلة كيف توصل مؤيدو الرئيسين إلى شعبيتهما الطاغية والمسرح السياسى أشبه بشارع فيه مطعم واحد يقدم طبقا وحيدا يضعه لك يوميا بدون إضافات أو محسنات أو تغيير فى المكونات وتظل تأكله أربع أو خمس سنوات.. كيف تعرف أنه شعبى وأنت لم تتذوق غيره.. الشعبية تتحقق بالمنافسة بين عدة مطاعم تقدم وجبات مختلفة ويترك الإقبال عليها للجماهير التى ستتواجد بعد عدة محاولات فى مطعم واحد إلى أن تتغير الأطباق الأخرى فيبدأون فى تجربتها ويترك الأمر لهم فى النهاية..

هذا أبسط وأعمق تعريف لتداول السلطة اقرأه على مدار 40 عاما أو أكثر.. ولا تنس أن من شروط العمل فى بعض الصحف الغربية أن يكون لهم مراسلون محليون «مصريون» يجرون حوارات مع مواطنين حقيقيين وليسوا وهميين ولا يقدم المراسل رأيه الخاص إلا بعد سؤال الكثير من مهن مختلفة...

الصحف فى بريطانيا تختلف انتقاداتها للانتخابات فتقول الديلى تليجرف مثلا إن الاعتداء على المستشار هشام جنينة وقبله اعتقال عنان يبدو كحملة ضد معارضى الرئيس السيسى، وأشارت صحف أخرى مثل الإندبندانت إلى أن منسقى الانتخابات لايواجهون منافسة فاطمئنوا.. أما الجارديان فتؤكد أن آخر انتخابات حقيقية فى مصر كانت عام 2012 وأيضا 2014 رغم وجود مرشح واحد أمامه، وتساءل موقع مونت كارلو وفرانس 24 الدوليان فى باريس عن الإصرار وراء تسمية ما يجرى فى مصر بأنه انتخابات هل هو الحرص على تقديم صورة ديمقراطية زائفة عن أسلوب الحكم!

لماذا لا يلجأون لأسلوب الصين مثلا فقد أصبح اقتصادها قويا جدا بدون ديمقراطية.. بالمناسبة مصر ليست الصين ولا تستطيع أن تلعب دورها وبالتالى لا يمكن المقارنة بها..

صحف ألمانيا وفرنسا لم تخرج عن هذا المفهوم بل إن الصحف اللبنانية أشارت إلى أن الانتخابات بطعم الاستفتاء.. لا أحد ينكر أن للرئيس شعبية بين قطاعات لكن التحدى الحقيقى الذى يخشاه القائمون على الانتخابات أن يخرج الإقبال عليها بصورة أقل كثيرا من التى جرت فى انتخابات 2014 حيث حاز الرئيس على ملايين الأصوات.. وحتى بعد الدفع بمرشح آخر لحظة موسى مصطفى.. الذى قدم أوراقه قبل إغلاق باب الترشيح بساعتين فإنه لم يغير فى الأمر شيئا..

الحقيقة أن العملية الانتخابية لم تكتسب أى مصداقية داخليا أو خارجيا للتشوه الشديد فى طريقة إخراجها.. الإعلام الحكومى يناشد المواطنين عدم التنازل عن حقوقهم وضرورة المشاركة فى المشهد.. المصريون يرون أنها نتيجة محسومة فلماذا يشاركون! لكن الدولة لن تعدم وسيلة لدفع المواطنين للتوجه لصناديق الاقتراع سواء من خلال الموظفين والعمال أو بالاستعانة بأصحاب الشركات والقطاع الخاص من خلال الترغيب والترهيب.

ينسى القائمون على الانتخابات أن المواطن لا ينظر إلى حجم المشروعات التى تحققت ولكنه ينظر إلى ماكسبه شخصيا من خلال أربعة أعوام وما سيكسبه بعدها..الناس تتوقع الأسوأ فى ظل زيادة الديون وقلة التصدير وانفلات الأسعار..

إقبال الناس على الانتخابات المحسومة لن يجدى معه الحملات المكثفة بأن الدولة تتعرض لتهديدات إذا لم يخرج المواطنون للتصويت.. أو أن النكوص عن تأدية الفروض «السياسية» هو إثم وخيانة للوطن و«حرام شرعا». أتصور أن مهاجمة «أهل الشر» الدائم ربما يجدى فى مواجهة أخطار أخرى كالإرهاب.. لكن ما نواجهه الآن هو «فن الإقناع» بأن يذهب الناخبون طواعية لاختيار مرشحهم «الوحيد»....

لكن إدارة الأمور بالأسلوب الحالى بحكم الأمر الواقع وقوته وفرض الإرادة على الجميع وبلوغ الخصومة مداها وترسيخ الخوف باعتباره السلاح الرئيسى لإسكات جميع الأصوات وإغلاق الباب لأى مسارات سياسية تفسح الطريق للتعبير عن الرأى الآخر واحترامه، ستكون له نتائج كارثية.. كل الأحزاب تساند الرئيس! وهم إما خائفون أو عاجزون عن ترشيح البديل.. بالتالى لا أمل فى إصلاح الأمور أو تصحيحها أو فتح مساحات للنقاش تتدارك ما يجرى من أخطاء..

إن الطريقة التى تدار بها الانتخابات تقوم على نظرية التبادلية «وهى إن كانت تصلح أحيانا فى الاقتصاد فإنها لا تصلح فى سياسة.. يقايضون الأمن بالحرية والصمت بالنجاة والتأييد المطلق بالمزايا الاجتماعية وكل ذلك تحت غطاء فضفاض اسمه «حماية الاستقرار»..

حسنا لامانع طبعا من حماية الاستقرار ولكن الأهم أن يكون لك حقوق فتدافع أنت عن الاستقرار وتتحمل الصعوبات المعيشية راضيا.. والله من وراء القصد..

نقلًا عن « المصري اليوم»