رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

كأنها انتخابات!!!

محمد على ابراهيم-
محمد على ابراهيم- أرشيفية


مندهش من حجم التعليقات التى تتهم النظام بتعمد الإساءة للفريق المستدعى عنان.. مع أنهم هم أنفسهم الذين ينتقدون دوره فى يناير مع آخرين ويحسبونه على أمريكا والآن يربطونه بالإخوان.. مع أنه ليس وحده الذى تقرب.. وليس وحده الذى جاهر بالعداء لمبارك.. بيان القوات المسلحة بشأن ترشيحه لايخالف القانون العسكرى الذى طبق على العقيد أحمد قنصوة الذى قدم نفسه مرشحا دون استئذان الجيش أيضا فتم الحكم عليه.. ولم يعترض أحد ساعتها..

من ثم فإن الهرى الدائر حول العملية الانتخابية ينبغى أن يوجه لمنحى آخر تماما.. دعك من أن الرئيس سينافس نفسه.. فالدستور احتاط لذلك بأنه يكفيه الحصول على 5% من إجمالى أصوات الناخبين.. أى يكفيه مليون ونصف مليون صوت مثلا لو كان المسجلون فى الجداول 30 مليون مصرى ومصرية.. الأسئلة ليست فيمن سيترشح ولماذا أخفق هذا وتم منع ذلك.. ما نحتاجه فعلا هو لماذا لايوجد مرشحون؟ الرئيس السيسى فائز قبل أن يعلن ترشحه رسميا.. العيب ليس فى نظام يحجب الرأى الآخر ويصادر «جرثومة» المعارضة كما يزعمون.. ولكنه فى الأساس خطأ الأحزاب السياسية.. حوالى 86 حزبا لا أنياب لها أو أظافر.. أعداد كغثاء السيل لاتطرح ثمارا أو بذورا.. مجرد ظواهر صوتية.. سياسيون مثل عجائز الفرح يمصمصون الشفاه ويصعرون الخدود.. فإذا ماطلب من أحدهم لعب دور كومبارس يتسابقون..

كان الجميع يزعمون أن الحزب الوطنى يضطهدهم ويمنعهم من الظهور الإعلامى.. سميناهم «الأحزاب الكرتونية» أو أنها صحف نبتت لها أحزاب. وأطلقوا علينا أننا الحزب الستالينى المرعب!!.. راح مبارك وهدموا حزبه.. ارموا بياضكم.. اختفى الديناصور امرحوا.. لكن لم يحدث.. فقط حلموا بحياة سياسية تعددية تنافسية.. أكدوا أن سيوف الديمقراطية ستتقارع فى معارك أشبه بأبوزيد الهلالى والزناتى خليفة.. كان وهما وأمانى وحلما.. كان طيفا.. كما قال الشاعر الكبير كامل الشناوى.. ثم صحونا بعد يناير..كنا نياما كما يزعمون.. فماذا صرنا؟ «رأى النور فأغفى.. وارتمى بين الظلام»..

ماذا حدث للديمقراطية المنشودة.. اختفت وتحولت إلى بيعة وتفويض أو تزكية أو تنازل.. لاتلوموا السيسى أو نظامه.. الساحة السياسية عديمة الجدوى والفائدة.. الأحزاب التاريخية كالتجمع والعربى الناصرى دخلت الفريزر السياسى.. بل إن أكبرها «الوفد» أعلن عن تأييده للرئيس فى مانشيت ضخم لصحيفته ثم عدل عنه فافتقد مصداقيته فى الشارع.. لقد انتظرت الأحزاب أن تسقط سماء الديمقراطية على ركبتيها.. أو تحمل لها رياح يناير الديمقراطية بعد زوال كابوس الحزب الوطنى.. لكن انتظارها طال وشاخت وتساقطت أوراقها.. وكانت النهاية عندما عجزت عن تقديم مرشح واحد يخوض الانتخابات أمام الرئيس.. ضلوا الطريق إلى قلوب المصريين.. لايعرفهم أحد.. مجرد كيانات عائلية تضم الأحباب والباحثين عن الشهرة والشو الإعلامى أو البريق..

للأسف مصر أصابها العقم السياسى منذ سنوات.. ظهر الإخوان فقط فأساءوا للسياسة وللمصريين ولأمن وأمان البلد.. استسلمنا لما كان سائدا أيام ناصر والسادات وأحببنا بالشمولية..

مصر العظيمة صاحبة أول برلمان فى المنطقة قبل 150 عاما وصل بها الحال أن تعجز عن تقديم مرشح رئاسى «حقيقى» ببرنامج انتخابى محدد! صحيح السيسى بمشروعاته وإنقاذه لمصر من مستقبل مظلم يرجح كفته فى الوقت الراهن.. لكن هذا لم يكن ليمنع ظهور أى مرشح آخر حتى لو حصل على 10% من الأصوات.. التعددية الحقيقية فى مصلحة الحكم ومظهر مصر الخارجى وغير ذلك عبث.. المشاريع على أهميتها لن تدرأ عنا اتهامات الديكتاتورية وإهدار لحقوق الإنسان.. كما أن الإعلام يتطوع أو«يؤمر» بتشويه أى مرشح رئاسى إما بشرائط أو ملفات قديمة كان ينبغى أن تفتح من بدرى وليس قى هذا التوقيت، فهى وإن كانت صحيحة إلا أنها حصدت الشك ولم تزرع اليقين.. أحاديث المؤامرة التى تتردد يوميا صحيحة لكن عليكم فى هذا التوقيت فقط بالتحدث عن برامج وخطط ورفاهية أيها الزملاء.. طريقتكم المثلى لم تعد تجدى.. ليست المؤامرة ولكن التسمم الذاتى الذى تمارسونه..

ياسادة إنها انتخابات مصر العظيمة التى تستحق أكثر من هذه المسرحية الكوميدية.. هل عجزت الأحزاب الممثلة فى البرلمان «10 أحزاب» عن تقديم مرشحين.. للمصريين الأحرار 65 مقعدا و«مستقبل وطن» 50 مقعدا!! ستقولون إنها أحزاب موالية للرئيس.. وأرد ما المانع أن يتقدم من حزب واحد أو ائتلاف اثنان أو أكثر لمنافسة الرئيس.. ألم يكن ترامب ينافس جون كاسيك وهما من حزب واحد «الجمهورى» على من يتقدم لتمثيل الحزب فى انتخابات الرئاسة الأمريكية.. وفى كل برلمانات العالم وأحزابه يتنافس أكثر من واحد لينال شرف تمثيل حزبه..

إن معظم الذين تقدموا للترشح أمام الرئيس لم يحصلوا على عدد التوكيلات التى تسمح لهم بالترشح أصلا.. نحن لسنا فى وقت الشكوى أو ادعاء العمالة والتآمر وظن السوء.. قضى الأمر الذى فيه تستفتيان.. فوز الرئيس مؤكد 100%.. لكن دعونا نبدأ الإعداد لـ 2022..علينا أن نصنع مرشحا قويا وبرنامجا اقتصاديا واجتماعيا.. إذا فكر الرئيس فى الترشح مرة ثالثة - لو أقنعوه- بتعديل الدستور.. فإن معركتنا ستكون مع مجلس النواب القادم.. المعركة لن تكون بفيس بوكات وتويترات فى وصلات ندب ولطم.. وإنما فى اختيار النواب الجدد لمجلس 2020.. اجتهدوا فى حسن الاختيار والتدقيق فى الذمة المالية والمهنية لنوابكم.. نريد مجلسا حقيقيا يعبر عن الشعب ومصالحه.. ينبغى أن تكون أولوياتنا الفصل بين السلطات فلا تتداخل التشريعية مع التنفيذية بل تتحدان ضد القضائية مثلا.. مطلوب ونحن نختار للمجلس القادم انتقاء من يعبرون عنا بعيدا عن المصالح والمكايدة السياسية.. هذا هو الباب الملكى للديمقراطية.. وعفوا إذا كنا عاجزين عن اختيار مرشحين أكفاء نظاف اليد يقدمون برامج اقتصادية حقيقية، تخفف الديون وتزيد الإنتاج وتخفض الضرائب وتراقب الأسواق.. فدعونا لانتحجج بالفكر التآمرى والأصابع من وراء ستار وطوفان التوجيهات والتعليمات.. إذا عجزنا عن تقديم مرشح قوى ينافس أى رئيس فالعيب فينا.. الحكاية أبسط من الكلام.. لو ظهر المرشح المأمول سيجمع 3 ملايين توكيل أو أكثر.. سيجد الناس تذهب من تلقاء نفسها للوقوف خلفه.. سيتحرك الشارع كله بوعى سياسى.. ولن تنجح الحكومة مهما أحكمت قبضتها أن تقف ضد إرادة شعب.. خصوصا إذا كان بطريق شرعى وليس بالفوضى والتدمير..

على الأحزاب أن تتحرك.. بدلا من البحث عن منافس لاينافس.. منافس يقول إنه سينتخب الرئيس.. الله يرحمك يايونس شلبى.. سلبية المصريين أخطر من الشمولية والأحادية.. إن أهم ما قاله الرئيس فى مؤتمر «حكاية وطن» هو اعترافه «أن مصر بها العديد من النابغين فى مختلف التخصصات.. لكن المشكلة التى قلتها لكم منذ 3 سنوات أننا ليس لدينا آليات لنقيم ما لدينا وندفع به ليتبوأ مكانته الحقيقية».. سيادة الرئيس هذه مهمتك فى الفترة الثانية.. خلق هذة الآلية مسؤوليتك.. وإذا كان الرئيس جمال عبدالناصر هو مثلكم الأعلى، فتذكر أن أهم مبادئ ثورة يوليو الست كانت إقامة حياة ديمقراطية سليمة.. أؤكد لسيادتك انك لو حققتها ستخلد اسمك وذكرك للأبد.. إنه الاختبار الحقيقى لتداول السلطة التى لم تتحقق من قبل.. بالقطع هذا أفضل من مرشح «كومبارس» يلقوا به على الطاولة ككارت أخير فى «لعبة سياسية حسمت مبكرا أو مباراة بلا متفرجين»..

نقلًا عن «المصري اليوم»