رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

العبث بالمنطقة.. ودور مصر

عبد الناصر سلامة-
عبد الناصر سلامة- أرشيفية


الشكاوى القطرية والإماراتية من اعتراض كل منهما لطائرات البلد الآخر، تؤكد أننا أمام عبث واضح غير محسوب العواقب، هو تصعيد للأزمة القائمة بين البلدين إلى خطوط حمراء ما كان يجب أبداً الاقتراب منها، ذلك أننا أصبحنا أمام عمليات تحرش قد تخرج عن السيطرة بين لحظة وأخرى، وسواء كانت الطائرات المستهدفة حربية، كما هى شكوى قطر، أو مدنية، كما هى شكوى الإمارات، فإن الفعل أو رد الفعل هنا سوف يكون كارثياً إلى الحد الذى لا يمكن تداركه، ذلك أننا أمام إجراء لحظى، لن يمكن تصحيحه، بالتالى وفى مثل الظروف الراهنة لن يتم التعامل معه بقبول الاعتذار.

الغريب هو أنه على الرغم من وصول الأوضاع إلى حالتها هذه، لم نر فى المنطقة ما يمكن أن يطلق عليه الدولة الرشيدة، أو حتى الرجل الرشيد، الذى يحمل على عاتقه القيام بدور ما، من شأنه تحجيم مثل هذا السلوك، الذى يمكن أن يجر المنطقة بأسرها إلى ما لا يحمد عقباه، فى سابقة هى الأولى من نوعها، منذ ظهور النفط هناك قبل ثمانية عقود، وكأن ظهوره كان نقمة على الشأن السياسى، بقدر ما كان نعمة على الشأن الاجتماعى، أو حياة الأفراد، الذين أصبح معظمهم فيما يبدو أيضاً أسرى لسياسات دعائية تحريضية، آتت أُكلها للأسف.

كان من الممكن النأى بالمواطن الخليجى هنا وهناك عن الخلافات السياسية، نتيجة ما يربط هذه الكيانات من أواصر قرابة ومصاهرة، ممتدة عبر مئات السنين، حتى يمكن أن يكون هناك ما يطلق عليه «خط الرجعة» فى المستقبل، إلا أنه قد تم استخدام المواطنين أسوأ استخدام، فيما بدا أنه مخطط متكامل الأركان لتوسيع الهوة، وذلك من خلال وسائل إعلام حملت على عاتقها هذا الهدف، وكتائب إلكترونية على مواقع التواصل الاجتماعى ليست أقل سوءاً، وعلى مدار الساعة، ما جعل كل الاحتمالات تصبح مفتوحة.

وإذا كانت الأزمة قد أخذت فى التصعيد والتفاعل فى أعقاب زيارة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب إلى المملكة العربية السعودية فى شهر مايو الماضى، بفعل قرار المقاطعة والحصار، فإن المثير للدهشة أننا لا نشهد أيضاً سوى اتصالات هاتفية من الرئيس الأمريكى لاحتواء الأزمة كلما تفاقمت، وكأنه أراد لها حدوداً لا تخرج عنها، وهو ما حدث فى أعقاب أزمة الطائرات الحالية، والتى كان يجب أن تنتفض لها دول المنطقة، بحكم أنها تطور كارثى يمكن أن تكون له عواقب وخيمة فى المستقبل.

لا تستطيع أى من الدول الأطراف فى الأزمة، إنكار الخسائر الاقتصادية التى طالتها منذ ذلك التاريخ المشار إليه، حتى وإن كان ذلك بنسب متفاوتة بين دولة وأخرى، كما لا يمكن إنكار أى من هذه الدول أن صفقات السلاح التى تعاقدت عليها خلال الشهور الثمانية الماضية لم تكن أبداً فى حاجة إليها، وهو ما يمثل ضغطاً آخر على الموازنات المضغوطة أصلاً، كما لا يستطيع أى منها إنكار أن قطاعاً كبيراً من المواطنين هنا وهناك قد تضرروا كثيراً، سواء على المستوى الاقتصادى والتجارى، أو على مستوى العلاقات الاجتماعية التى كانت تعد الأقوى فى عالم الشعوب.

قد تكون كل من سلطنة عمان والكويت قد استنفدتا جهودهما فى محاولات التوفيق وإعادة الوئام بين دول الأزمة، خاصة أن بعض العواصم ذات الصِّلة كانت تنشد موقفاً مغايراً للبلدين، أو بمعنى أدق موقفاً ليس محايداً، فيما جعل من مهمة الوساطة أمراً ثقيلاً أو صعباً، وهو الأمر الذى كان يوجب ظهور أطراف أخرى أكثر فاعلية وإرادة يمكنها القيام بهذه المهمة، على الرغم من أن نظرة سريعة إلى الخارطة، أو إلى جغرافيا المنطقة سوف تكشف عن الأسوأ فى تاريخ الأمة، وهو أن أياً من الدول العربية لم يعد مؤهلاً لمثل هذه المهمة، ذلك أنها جميعاً وقعت ما بين مطرقة الخلافات والأزمات، وسندان المواجهات والحروب، وهو ما جعل من منظومة جامعة الدول العربية أيضاً من الماضى.

ولأن دول الغرب قد استفادت من الوضع الراهن، ومازالت تستفيد، فإنه لا يوجد فى الأفق من يمكن أن يؤدى أى دور من أى نوع فى اتجاه سلام المنطقة، التى ينظر إليها هؤلاء وأولئك على أنها مجرد «بقرة حلوب» وهو التعبير الذى استخدمه الرئيس الأمريكى قبل وبعد أن أصبح رئيساً، ومن هنا يأتى اهتمامه الشخصى بالمنطقة التى أصبحت ترتفع وتتراجع حدة التوتر بها طبقاً لأهوائه واتصالاته الهاتفية، على الرغم من انعدام تأثيره فى أى بقعة أخرى من العالم، بل على الشأن الأمريكى نفسه، فى ضوء أزماته الشخصية التى تطارده طوال الوقت.

أعتقد أنه قد آن الأوان لمصر كى ترتقى إلى المستوى الذى يجب، وأن ترتفع إلى مستوى الأحداث، وذلك باستعادة دورها التاريخى المنوط بها بحكم عوامل كثيرة، لتعود كياناً فاعلاً ومؤثراً وتوفيقياً، وليست طرفاً فى مواجهة طرف آخر، خاصة فى مثل هذه الظروف التى تتخبط فيها القرارات، وتنعدم فيها الرؤية أمام الكثير من الكيانات، مع الوضع فى الاعتبار أن أى تطور للأوضاع سلباً أكثر من ذلك سوف يسدد الجميع فواتيره بلا استثناء، وبتكاليف باهظة، فى الوقت الذى يظل فيه ترامب وغيره يحصدون المزيد من مقدرات المنطقة على حساب حاجات الشعوب.

نقلَا عن«المصري اليوم»