رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

مؤتمرات السيسى.. هل تزيد قوة مصر الناعمة أم مجرد دعاية سياسية؟

مؤتمرات السيسي -
مؤتمرات السيسي - أرشيفية


شهدت مصر عشرات المؤتمرات، بين اقتصادية وسياسية وشبابية، والتي عقدت في عهد الرئيس عبد الفتاح السيسي، أولها كان المؤتمر الاقتصادي العالمي الذي عقد في مدينة شرم الشيخ عام 2015، مرورًا بمؤتمرات الشباب التي تقام في المحافظات كل شهر، وأخيرًا منتدى الشباب العالمي الذي عقد في مدينة شرم الشيخ وحضره أكثر من 3 آلاف شخص من مختلف دول العالم.


فما هي الفوائد التي تعود على مصر وعلى المواطن المصري البسيط من هذه المؤتمرات؟ وهل هذه المؤتمرات يمكن أن تغير صورة مصر في الخارج كما يقول البعض أم أنها مجرد دعاية للرئيس والنظام؟


يقول جمال أسعد عبد الملاك، عضو مجلس النواب السابق، إن هذه المؤتمرات وخاصة الشبابية، نوع من التواصل المباشر مع الشباب، وهذا شيء إيجابي ومقدر، لاسيما أنه يدل على أن هناك اهتمامًا من جانب الرئيس، والسلطة التنفيذية بالشباب، لكنه طرح الكثير من الأسئلة مثل: هل هذا الاختيار يمثل كل الشرائح الشبابية في مصر، وهل كل الذين يحضرون هذه المؤتمرات يمثلون شباب مصر في القرى والأرياف والنجوع والمحافظات والمراكز أم هم نخبة لا نعلم كيف يتم اختيارها، وهل كل ما يتم من مناقشات ومن آراء يمكن وضعه في إطار الرصد والتحليل حتى يمكن أن يتحول إلى خطط عملية وهذا ما لم نره على أرض الواقع بالشكل المطلوب؟


وأضاف «عبد الملاك»، أنه لم ير الرأي الآخر في هذه المؤتمرات؛ لأن الاختيار يتم بطريقة معينة، ويتم التركيز على شباب الرئاسة ومجاملة النظام، ولا توجد أصوات معارضة، كما أن الرأي الآخر الذي ينير الطريق للنظام غير موجود وغير ممثل، مشيرًا إلى أن منتدى الشباب العالمي الذي عقد الفترة الماضية، شهد نفس السلبيات التي عانت منها المؤتمرات السابقة، أهمها التركيز على الجانب الظاهري والإعلامي أكثر من الجانب الموضوعي والمضمون، مشيرا إلى أنه حضر مؤتمر شباب العالم في روسيا عام 1985، وكان يضم أكثر من 120 ألف شاب من كل أنحاء العالم، وأنه لن ينسى هذه الرحلة التي استمرت 15 يومًا، شاهد فيها موسكو والاتحاد السوفيتي في كل الاتجاهات، وشاهد كيف تحول المؤتمر إلى حالة من الارتباط الفعلي والعضوي بين هؤلاء الشباب وبين روسيا، لافتا إلى أن مصر أتت بشباب العالم، وحبستهم في شرم الشيخ ولم تستفد من هذا التجمع العالمي.


وأكد «عبد الملاك»، أن من أهم سلبيات هذه المؤتمرات أنها لا تضم شبابًا من الفلاحين أو عمالا، وكل المشاركين هم من التابعين للرئاسة، وكأن هؤلاء يمثلون كل فئات الشعب المصري، مشيرا إلى أن التركيز على شباب الرئاسة يؤدي في النهاية إلى تعاليهم على المجتمع المصري كله، وبالتالي فهؤلاء لا يعبرون عن شباب مصر، مشيرا إلى أن منظمة الشباب كانت تضم الفلاحين والعمال وأساتذة الجامعة والطبقة المتوسطة، وكان الجميع ينامون في الخيام ويرتدون زيا واحدا دون تفرقة، وبالتالي طريقة الاختيار وطريقة الإعداد التي تحدث الآن لا تتناسب مع مجتمع تغزوه المشاكل، لأن الاختيارات النخبوية لا تحل مشاكل المجتمع العامة.


ولفت المفكر المصري إلى أن الحديث عن أن هذه المؤتمرات سوف تغير صورة مصر في الخارج كلام كبير وشعارات ومقولات بعيدة عن الواقع، مشيرا إلى أن التقييم الموضوعي يختلف عن الشعارات، والحديث عن أن ألف شاب من الخارج سيغيرون صورة مصر كلام أحلام لا يأتي بنتائج، لافتا إلى أن الرئيس تحدث في المؤتمر وكأنه يتحدث في مؤتمر الشباب المصري، متسائلا: هل يليق في مؤتمر شباب عالمي أن يقول أحد الشباب للرئيس: «بحبك يا سيسي»؟، لافتًا إلى أن هذا دليل على أن حتى اختيار الشباب من الخارج يتم على أساس "الزمر والطبل" للنظام ولا يتم على أسس علمية وموضوعية، فليس مهمة المؤتمرات مدح الرئيس أو عمل دعاية للسيسي في العالم.


ويقول الدكتور سعد الزنط، مدير مركز الدراسات الاستراتيجية وأخلاقيات الاتصال، إن هذه المؤتمرات سواء كانت مؤتمرات سياسية أو اقتصادية أو حتى شبابية استثمار كبير، مشيرا إلى أن المؤتمر الاقتصادي الذي عقد في شرم الشيخ لم ينجح بدرجة كافية بسبب عدم الإعداد الجيد، وفي ظل عدم وجود بنية اقتصادية قوية أو بنية تشريعية، لكن أي مؤتمر اقتصادي يتم عقده الآن سوف ينجح؛ بسبب توافر بنية تحتية قوية ومتطورة وبنية تشريعية تشجع على الاستثمار، مؤكدًا أن منتدى الشباب الأخير من أفضل المشروعات الاستثمارية التي تم تنفيذها في مصر خلال السنوات الأربع الماضية.


وأضاف «الزنط»، أن مشكلة مصر الفترة الماضية كانت في عدم وجود تواصل مع العالم، وعدم توصيل الصورة الحقيقية لما يحدث في مصر في الداخل، مشيرا إلى أن العالم كان يضغط على مصر إما بقصد أو لعدم فهم ما يجرى في الداخل، وبالتالي عندما يتم إطلاع شباب العالم على حقيقة ما يحدث في مصر، ويتم إجراء حوارات بالشكل الإيجابي يحضرها الرئيس والحكومة وقادة الرأي فإن ذلك سوف يغير صورة البلد في الخارج، مؤكدًا أهمية هذا التواصل لتسويق مصر على كل المستويات السياسية والاقتصادية والأمنية بعد عجز الهيئة العامة للاستعلامات وزارة الخارجية على القيام بهذا الدور، بالإضافة لعدم وجود قناة إخبارية عالمية للتواصل مع العالم، وبالتالى هذا منتدى الشباب الأخير نقلة نوعية واعية وأداة اتصال مباشرة لتسويق مصر، لافتا إلى أن وسائل الإعلام الدولية لم تتناول هذا المؤتمر بشكل جيد على الإطلاق، كما أن الدولة لم تقم بحملة علاقات عامة لتسويق المؤتمر.


ولفت مدير مركز الدراسات الاستراتيجية وأخلاقيات الاتصال، إلى أنه بعد انتهاء المؤتمر لم نجد أي أثر له، ما يؤكد على وجود تقصير، وبالتالي يجب محاسبة المسئول عن ذلك التقصير لاسيما أن هناك أموالا كثيرة تم صرفها على المؤتمر، مشيرا إلى أن الرئيس غير ملزم ولن يستطيع دعوة 60 مليون شاب لحضور المؤتمر، لكن ما يحدث هو صناعة قادة رأي ورموز سياسية، ورسالة للشباب بأن الدولة تهتم بهم وأنهم قادة المستقبل، واكتشاف قادة رأي جدد لقيادة البلد في المستقبل، لافتا إلى أن المؤتمر الأخير نجح من الناحية الشكلية أكثر من الناحية الموضوعية، كما أن عدم وجود معارضين شيء طبيعي؛ لأن المؤتمر ناقش قضايا غير خلافية وخاصة الموضوعات الخاصة بالحوار بين الثقافات والحضارات.


وأكد «الزنط»، أن تغيير رؤية العالم لمصر مسألة تراكمية لا تتحقق بمؤتمر أو منتدى، المؤتمرات والمنتديات هي وسيلة من وسائل التواصل مع الآخر، لكن تغيير رؤية العالم تحتاج إلى أن الكل يعمل، الأمن، وهيئة الاستعلامات، والإعلام، والفن، وبالتالي تحويل النظرة لمصر من نظرة سلبية إلى نظرة إيجابية مسألة تراكمية تحتاج إلى وقت طويل، مستبعدا أن يكون لهذه المؤتمرات أي تأثير في الحرب على الإرهاب مشيرا إلى أن مكافحة الإرهاب مسألة مرتبطة بأشياء أخرى كثيرة، وفي كل الأحوال هذه المؤتمرات استثمار كبير، ولكنها طويلة الأجل.


من جانبه يقول محمود العسقلاني، رئيس جمعية «مواطنون ضد الغلاء»، إن هذه المؤتمرات تعبر عن القوة الناعمة لمصر، مشيرًا إلى أن الإمكانيات الثقافية والاقتصادية والسياسية والجغرافية لمصر تؤهلها لاحتضان مثل هذه المؤتمرات، وبالتالي أي مؤتمر يعقد في مصر يؤكد على قوة مصر الناعمة وعلى استعادة مصر لمكانتها الطبيعية كدولة رائدة في العالم العربي والشرق الأوسط، كما أن هذه المؤتمرات تعطى انطباعًا بالاستقرار والأمان، وتعطي انطباعًا إيجابيًا للمستثمرين في الخارج بأن مصر آمنة، وكلها مؤشرات إيجابية لعمل رواج اقتصادي، لكن مطلوب فك عقدة البيروقراطية والمزيد من العمل.


وأضاف «العسقلاني»، أن شعور المواطن المصري بنتائج هذه المؤتمرات سيأتي متأخرا لأن هذه المؤتمرات هي عبارة عن «فرشة» وإعطاء انطباع للعالم بأن مصر بلد آمن وهذا يشجع المستثمر الأجنبي على الاستثمار في مصر في ظل وجود شبكة طرق جيدة وطاقة بشرية رخيصة وسوق كبيرة، أهم شيء ألا تترك الدولة الفقراء في هذه الحالة، مشيرا إلى أن هذه المؤتمرات تؤكد على أن مصر أصبحت قادرة على الخروج من عنق الزجاجة ومن النفق المظلم وهناك مؤشرات إيجابية جدًا تؤكد على ذلك، لكن الأمر يحتاج إلى المزيد من الصبر والعمل ومحاربة الفساد والبيروقراطية.


ولفت رئيس جمعية «مواطنون ضد الغلاء»، إلى أن هناك أزمة في شعبية الرئيس، وأن الرئيس والحكومة يوصلون الرسالة للناس خطأ، مشيرا إلى أنه رفض التوقيع على استمارة «عشان تبنيها» لأنها عنصر سلبي وليس إيجابيًا، كما أن الحملة الاستباقية تعطي انطباعًا بأن شعبية الرئيس في أدنى مستوياتها، مؤكدًا أنه خلال خمس سنوات سوف يكتشف المواطنون أن الرئيس كان يسير على الطريق الصحيح، وأن الذين ينتقدونه كانوا على خطأ، لافتا إلى أن علاج أزمة عدم الثقة بين الرئيس والشعب تتطلب وجود وسائل لتوصيل الرسالة للناس، وتحتاج إلى شخص مثل صفوت الشريف، وزير الإعلام في عهد مبارك، الذي كان يستخدم قوة مصر الناعمة في التعبير عن قوة مصر الحقيقية، مثلما حدث عندما قام بالطلب من الشاعر عبد الرحمن الأبنودي بتأليف أغنية عن الغزو العراقي للكويت، فقام بتأليف أغنية غناها عبدالله الرويشد أحدثت حالة من التعاطف الشعبي مع الشعب الكويتي، كما استخدم تليفزيون الدولة في محاربة الإرهاب، مشيرا إلى أن الناس في الشارع لا يرضون عن المؤتمرات لأن الصورة وصلت لهم خطأ، ولا يعرفون الهدف من هذه المؤتمرات أو مردودها.