رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

إلبد فى الدخان لما يجيلك شغل حلال!

حمدي رزق
حمدي رزق


لست فقيهاً، ولا يُفتَى والمفتى المجتهد الدكتور شوقى علام فى المدينة، وأستفتيه فى فتوى قال بها أمين الفتوى، مدير إدارة الفروع الفقهية لدار الإفتاء المصرية، ‎الدكتور محمد عبدالسميع، بأن العمل فى شركات التدخين حرام، تأسيساً على حرمة التدخين، كما استقر الأمر تحريماً فى دار الإفتاء طوال عقد من الفتاوى المنشورة.

يقول أمين الفتوى: «لمَن يسأل عن حكم العمل بتلك الشركات، إننا نفرق بين الضرورة والسعة، مَن يعمل فى عمل آخر نقول له اترك الشركة، فلو ليس لديك غير تلك الوظيفة فى شركة التدخين فابقى حتى تجد عملاً آخر غيره».

خلاصة هذه الفتوى أن العمل فى شركات التدخين حرام، وعلى المضطر أن يبقى حتى يجد بديلاً، وعلى قول الدكتور على جمعة: «إلبد فى الدخان لما يجيلك شغل حلال»!. إذن، أحلاهما مر، أمام العامل فى شركة السجائر خياران، الرحيل فوراً فراراً من الحرام، أو البقاء اضطراراً انتظاراً للرحيل المرتقب، مع علمه ابتداءً بحرمة كسبه من عمل حرام!.

مجدداً لست فقيهاً، ولا أدَّعى علماً، أنتم العلماء والفقهاء وأنتم أعلم بشؤون دنياكم، فقط أسأل، وليس السائل بأعلم من المجيب، كيف تستقيم صناعة الدخان وطنياً وتحقق الاكتفاء الذاتى وتلاحقها فتاوى التحريم طلعة كل نهار، هل نحن فى غنى عن هذه الصناعة، التى يعمل بها عشرات الآلاف من العمال (الشركة الشرقية وحدها يعمل بها 14 ألف عامل)، هل هناك فرص عمل متوفرة لهذه الآلاف ليهجروا شركات الدخان؟

فإذا ما هجر العمال هذه الشركات أو بقوا فى أعمالهم مضطرين إلى حين، هل تستقيم العملية الإنتاجية اضطراراً أم تُخلِّف اضطراباً، هل يخلص هؤلاء فى أعمالهم وهم يعتقدون بحرام ما يتكسبون منها، هذه الفتوى تؤذن بخراب هذه الشركات فى غضون شهور قليلة إذا ما تبلبل العمال، وامتد مفعول الفتوى بالحرمة الى أدمغة العمال البسطاء.

ربنا يستر، أخشى أن تحفز هذه الفتوى متهوسا امتثالاً لقاعدة تغيير المنكر والنهى عنه، بحرق السجائر على خطوط الإنتاج خلاصاً من الحرام، أو تخريب الشركة حتى يدفع منكراً، أمين الفتوى صك الفتوى وتركها تسعى كالحية الرقطاء بين العاملين فى شركات السجائر.

وإذا هجرها العمال ابتغاء الحلال، وأغلقت الشركات الوطنية أبوابها، هل فى مكنة الدولة تدبير استيراد 80 مليار سيجارة بـ30 مليار جنيه سنوياً، حسب معدلات الاستهلاك المتعارف عليها، وهى تترجى الله فى تدبير الأذون الاستيرادية للطعام والشراب والأدوية!.

وهل الموازنة العامة تتحمل خسارة 32 مليار جنيه سنوياً حصيلة الضرائب على منتجات التبغ، وهو رقم يأتى تالياً بعد دخل قناة السويس وقبل السياحة، وتعتمد عليه الدولة جزئياً فى تمويل التأمين الصحى، الذى انتعشت خدماته بعد تحصيل نسبة معتبرة من الزيادة الأخيرة فى أسعار السجائر؟

لا أخالف شرعاً، ولا أبتغى حلالاً لما حرّم الله، ولكن القول بالتحريم قطعياً تزيد فى موضع الفتوى، فالسجائر من الخبائث المحرمة «احتمالاً» لوقوع الضرر، وهناك مَن يقول بكراهية التحريم وليس بتحريمه، وثبت أن فقهاء وعلماء ومشايخ، وأبرزهم مولانا الشيخ الشعراوى، كانوا من المدخنين قبل أن تعتل صحته ويذهب إلى تحريم التدخين.

أتحسب أن هذا القطاع الحيوى فى الاقتصاد المصرى المأزوم يلزمه تحوط فقهى، لأن جلب المنافع مقدم على درء المفاسد، ومثل هذه الفتوى لا تجلب منفعة ولا تدفع مفسدة، المصريون يدخنون وهم يعلمون أنه من الخبائث.. الكيف يحكم!.

نقلًا عن "المصري اليوم"