رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

مصر لم تعرف أبداً «البدون»

حمدي رزق
حمدي رزق


خرج تنظيم «ثورة مصر» على السادات وصُنّفوا إرهابيين وصدرت عليهم أحكام ولم يُسقط عنهم الجنسية، وخرجت «كفاية» على مبارك خروج الرافضين ولم يسقط عنهم الجنسية، وخرجت «تمرد» على مرسى ولم يسقط عن شبابها الجنسية، ظلت الجنسية طوال حضارة الدولة المصرية مصونة بالدستور، مصر لم تعرف أبداً «البدون».


من يتحمس لإسقاط الجنسية اليوم عليه أن يتحسب لغد، ويا خوف فؤادى من غدٍ، أتحسب تماماً وأخشى من تعديلات مجلس الوزراء الأخيرة التى أُدخلت على بعض أحكام القانون رقم 26 لسنة 1975 بشأن الجنسية المصرية، أخشى من إسقاط الجنسية عسفاً، وأتخوف من سحب الجنسية عصفاً لأسباب تخلو تماماً من أى سند دستورى
.

جاءت التعديلات المقحمة على القانون صادمة للدستور وستخلّف آثارها السلبية على صورة النظام السياسى المصرى، وستشينه حقوقياً داخلياً وخارجياً، التعديل الأخير ينتهك ويجور بفجاجة على المادة (6) من الدستور، نصاً تقول: «الجنسية حق لمن يولد لأب مصرى أو لأم مصرية، والاعتراف القانونى به ومنحه أوراقاً رسمية تثبت بياناته الشخصية، حق يكفله القانون وينظمه. ويحدد القانون شروط اكتساب الجنسية».

حكمة المشرع الدستورى فى صمته بوقار عن إسقاط وسحب الجنسية، ولكنه عنى باكتسابها بشروط يحددها القانون، الدستور المعتبر لا يعرف إسقاط أو سحب الجنسية لأنها من الحقوق الشخصية اللصيقة بنص المادة (92): الحقوق والحريات اللصيقة بشخص المواطن لا تقبل تعطيلاً ولا انتقاصاً، ولا يجوز لأى قانون ينظم ممارسة الحقوق والحريات أن يقيدها بما يمس أصلها وجوهرها.

يبدو، والله أعلم، أن مشرعى مجلس الوزراء لم يقرأوا الدستور جيداً فاجترأوا بفجاجة على نصوصه، ولم يتبينوا حكمته، ولم يلمسوا جوهره، وأضافوا لإسقاط وسحب الجنسية بالقانون حالات لو صح تطبيقها لأسقطت وسحبت الجنسية عمن استحقها باعتبارها حقا بالميلاد لأب مصرى أو لأم مصرية.

ابتداءً الخائن يعاقب بالقانون.. و«مرسى العياط» نموذج ومثال استحق حكماً باتاً ونهائياً بالمؤبد لخيانته، والإرهابى يعاقب بالقانون، و«عادل حبارة» نموذج ومثال استحق حكماً بإعدامه شنقاً باتاً ونهائياً لإرهابه، وفى الحالتين صدر الحكم خلواً من إسقاط الجنسية، ولم يطالب بها النائب العام، ولم تنظرها المحكمة.

إسقاط الجنسية سلاح خطير فلينزعه رئيس الجمهورية من أيدى العابثين، من ذا الذى يستحل الأحكام القضائية ويجيرها تالياً لإسقاط الجنسية، وإذا لقى التعديل قبولاً شعبوياً ثأرياً فى حالة «مرسى» وجماعته، و«حبارة» وعصابته، ما هو الكابح والمانع الذى يمنع من استخدام الرخصة القانونية التى منحتها الحكومة من علٍ لمتنفذيها فى إسقاط الجنسية عن آخرين؟

أقرب للعقل وللمنطق وللفطرة التشريعية السليمة أن تلجأ الحكومة لإسقاط الجنسية عن «العياط» و«حبارة» مثلاً إلى القضاء بدعوى وفق ما تقدم من حيثيات أحكام صدرت باتة ونهائية بالمؤبد والإعدام وما بينهما من ثبوت الانضمام إلى جماعة، أو عصابة تهدف إلى المساس بالنظام العام للدولة... إلخ.

هكذا أفهم السياق القانونى السليم، أما ما أقدم عليه مجلس الوزراء من تعديلات فهو يصادم الدستور تماماً، ويطلق يد الحكومة فى إسقاط وسحب الجنسية بناء على أحكام قضائية فى جرائم أخرى، وهى عقوبة إضافية لم يقل بها القاضى ولم ينظرها، وتمتد آثارها المروعة إلى الأسرة، أولاد «البدون» يُصنفون قانونيا «بدون» وتُسحب منهم الجنسية.. وفى هذا بلاء عظيم!
.

نقلًا عن "المصري اليوم"