رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

اشتعال «صراع الزعامات» في الشرق الأوسط

محمد بن سلمان - أرشيفية
محمد بن سلمان - أرشيفية


يبدو أن الأمير الشاب محمد بن سلمان، نجل العاهل السعودي الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود، وولي عهد المملكة الحالي، بدأ التجهيز للمرحلة الأخيرة في وصوله لسدة الحكم، وتربعه على عرش المملكة خلفًا لوالده الذي تحاصره الأمراض، والذي ترجح المصادر الدولية تقاعده قريبا لصالح نجله.


وخلال الأسبوع الماضي، بدأ الأمير الشاب في وضع الترتيبات النهائية للوصول لسدة الحكم، وكانت المرحلة الأخيرة هي السيطرة على الأصوات المعارضة له حيث جرى اعتقال نحو 20 شخصية عامة، أبرزهم الدعاة، سلمان العودة وعوض القرني وعلي العمري، بالإضافة إلى تردد أنباء عن اعتقال أمير من أحفاد عبد العزيز آل سعود، يرجّح أنه الأمير عبد العزيز بن فهد.


وسعى «بن سلمان» كذلك لتحقيق رضا دولي لصعوده الكبير، وهو ما راعاه في «رؤية 2030»، التي أطلقها العام الماضي، وأعلنت وزارة الإعلام خلال الأسبوع الماضي الإسراع في تطبيقها، والتي تعتمد برنامجا للخصخصة وبيع نحو خمسة بالمائة من شركة النفط الوطنية العملاقة «أرامكو» السعودية لمستثمرين أجانب لأول مرة في تاريخ المملكة.


وخلال الأسبوع الماضي أيضا، تداولت بقوة أنباء عن زيارة الأمير لإسرائيل في إطار طمأنته لها على مواقف المملكة تحت قيادته ومناقشة الوضع الإقليمي، وهو ما ذكرته هيئة الإذاعة والتليفزيون الإسرائيلية، حيث أكدت أن أميرًا من البلاط الملكي السعودي زار إسرائيل بشكل سري، وبحث مع كبار المسؤولين الإسرائيليين فكرة دفع السلام الإقليمي إلى الأمام، ورجحت عدد من الصحف والمواقع الإسرائيلية أن يكون الأمير محمد بن سلمان ولي العهد السعودي هو من قام بالزيارة السرية لإسرائيل، والتقى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.


ويبدو أن مرحلة تنصيب الأمير ملكا باتت مسألة وقت، وهو ما كشفت عنه قناة “CNBC” الأمريكية، مشيرة إلى  أن الملك السعودي قد يتخلى عن السلطة لصالح ابنه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان خلال الأسابيع القليلة المقبلة، فيما أعلنت شركة “Eurasia Group” الأمريكية أن نقل السلطة سيتم في الأسابيع القليلة المقبلة؛ من أجل منع الخلاف بين أفراد الأسرة الحاكمة.


خلال عدد من القرارات والأوامر والمراسيم الملكية، رتب الملك السعودي، سلمان بن عبد العزيز، خلال الأشهر القليلة الماضية، البيت الملكي داخليًّا لنجله، محمد بن سلمان، وبدأ ذلك باستحداث منصب ولي ولي العهد لأول مرة ليكون من نصيب الأمير الابن، في منتصف 2015، وبعد عامين بالتمام، تم الإطاحة بمحمد بن نايف وتصعيد بن سلمان لولاية العهد لتتبقى الخطوة الأخيرة والتي ينتظر إنجازها خلال الأسابيع المقبلة.


بعد تهيئة المناخ الدولي وترتيب الأمور الداخلية تتبقى خطوة واحدة لإعلان الأمير الشاب ملكا للسعودية، وهي تعيين شخص ذي ثقة في منصب ولي العهد، حتى تتوقف الصراعات في المملكة ولو إلى حين.


والسؤال المطروح الآن: إلى أي مدى ستتغير خريطة المنطقة بعد تنصيب محمد بن سلمان ملكا لأكبر دولة عربية بعد مصر، وما تأثير ذلك على المنطقة، وهل نحن بصدد خريطة جديدة بعد وصول محمد بن سلمان لسدة الحكم في المملكة، وماذا سيكون شكل علاقة المملكة بدول المنطقة في عهد محمد بن سلمان، وما هو مصير الحرب في اليمن والأزمة مع قطر؟


يقول الدكتور مختار غباشي، الخبير بمركز الأهرام للدراسات الاستراتيجية و رئيس المركز العربي للدراسات السياسية والإستراتيجية، إن الحديث عن اتجاه المملكة للانسحاب من الساحة اليمنية، وتهدئة الوضع مع إيران وفتح اتصالات مع العراق، ولقاء مقتدى الصدر وهو زعيم شيعي لا يستهان به، والحديث عن وساطة عراقية للتهدئة بين إيران والمملكة العربية السعودية، وكلها ملفات يديرها الأمير محمد بن سلمان تشير إلى أن السياسة السعودية في عهد محمد بن سلمان ستكون مختلفة عنها في عهد الملك سلمان.


وأضاف «غباشي»، أن محاولة الانسحاب من الساحة اليمنية والتقارب مع إيران والعراق والتوافق الواضح في ملف مكافحة الإرهاب بينه وبين كل من الإمارات ومصر والبحرين، ملفات مهمة توضح النهج الجديد في السياسة السعودية في عهد الأمير محمد بن سلمان، مشيرا إلى أنه في عهد محمد بن سلمان وصلت العلاقات السعودية الأمريكية إلى حد التناغم، وأصبحت أمريكا هي الحليف الأهم للمملكة.


وتابع «غباشي»، أن الصراع الكبير بين قطر والإمارات العربية المتحدة منعكس بشدة على العلاقة بين السعودية وقطر، لكن لم يتضح حتى الآن الدور الذي يمكن أن يقوم به محمد بن سلمان في هذا الملف، مشيرا إلى أن تسليم مصر لـ«تيران وصنافير» لم يكن تسليما منفردا، إنما كان هناك دور أساسي لإسرائيل والولايات المتحدة فيه، وهناك اتصالات غير معلومة جرت بين السعودية وإسرائيل وأمريكا في هذا الشأن.


وعن علاقته بالولايات المتحدة الأمريكية قال «غباشي»، إن الولايات المتحدة الأمريكية تريد تثبيت علاقتها بالمملكة العربية السعودية، وضمان ولاء أي حاكم للمملكة لها في المستقبل، مشيرا إلى أن اعتقال المفكرين والدعاة داخل المملكة مرتبط بالتوتر الإقليمي، وما تواتر من حديث داخل المملكة العربية السعودية من أن هؤلاء الدعاة تحدثوا فيما لا شأن لهم به، وبعلاقة السعودية بالأطراف الإقليمية وكلها ملفات خطيرة وشائكة.


وأكد «غباشي»، أن أي تغيير في المنطقة، لابد أن يأتي عن طريق إيران وإسرائيل وبعض القوى الفاعلة في المنطقة، مشيرا إلى أن القضية الفلسطينية والمناطق الملتهبة في الشرق الاوسط سوف تحدث انقلابا في المنطقة، لافتا إلى أنه من الصعب على السعودية في عهد محمد بن سلمان أن تصبح زعيمة للعالم العربي والإسلامي، ولكن إذا توافرت الإرادة وحدث توافق بين مصر باعتبارها أكبر قوة عسكرية وبشرية في المنطقة وبين المملكة العربية السعودية كأغنى دولة نفطية، ساعتها ستستطيع الدولتان قيادة العالم العربي.   

                          

ويقول الدكتور سعيد اللاوندي، الخبير في العلاقات الدولية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، إن محمد بن سلمان مقبول في الداخل السعودي وله علاقات خارجية قوية لاسيما بالولايات المتحدة الأمريكية ومصر تكونت من قربه من والده الملك سلمان، بالإضافة إلى إدارته للملفات المهمة في المنطقة، وعلى رأسها الملف اليمني والقطري.


ولم يستبعد «اللاوندي»، قيام الأمير محمد بن سلمان بزيارة إسرائيل كما تحدثت التقارير الصحفية الفترة الماضية، مشيرا إلى أن إسرائيل تضع دول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية تحت الميكروسكوب منذ فترة طويلة، بالإضافة إلى أن إسرائيل لها علاقات بكل دول الخليج خاصة قطر، والسعودية تحاول منافسة قطر في هذا الموضوع، كما أن الأمير محمد بن سلمان له دور كبير في التقارب مع إسرائيل، مؤكدا أن وجود محمد بن سلمان  على رأس الحكم في المملكة الفترة القادمة سينهي القضية الفلسطينية تماما، لذلك تعول إسرائيل كثيرا على دول الخليج وخاصة السعودية.


وتابع الخبير في العلاقات الدولية، أن هناك علاقة قوية جدا بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والأمير محمد بن سلمان، مشيرا إلى أن الرئيس الأمريكي له دور كبير في بزوغ نجم محمد بن سلمان، وقد وافق منذ البداية أن يكون هو ملكا للسعودية خلفا لوالده، وبالتالي هو يحظى بقبول أمريكا وإسرائيل، لافتا إلى أن  السعودية تعاني الآن من مشاكل كثيرة تتعلق في الداخل بالإرهاب ورفض شريحة معينة في السعودية تصعيد محمد بن سلمان، وبالتالي هناك علاقة وثيقة بين اعتقال هؤلاء المفكرين والدعاة وبين تصعيد محمد بن سلمان ملكا للمملكة.


وأكد «اللاوندي»، أن تنصيب محمد بن سلمان ملكا سيؤدي إلى حدوث تغيير كبير في خريطة الشرق الأوسط، وأن علاقة محمد بن سلمان مع الولايات المتحدة الأمريكية ستكون أفضل بكثير من علاقته مع مصر، وبالتالي المملكة لن تكون قادرة على قيادة العالم العربي والإسلامي في عهد محمد بن سلمان.