رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

لقبَّلتم الأرض من تحت أقدامهم

حمدي رزق
حمدي رزق


الحرب مش نزهة ومش تفاريح


الحرب لما تبقى حرب صحيحمش طبل أجوف يملا سمع الريح

معناها موت وألم ودم يسيح..

من إبداعات عمنا صلاح جاهين الله يرحمه ويبشبش الطوبة اللى تحت راسه.

ونحن عنهم غافلون، وهم قائمون على الحدود، عيون ساهرة، عين باتت تحرس فى سبيل الله، لا نتذكر تضحياتهم إلا فى المناسبات الحزينة، أحياء عند ربهم يرزقون، لو تعلمون حجم التضحيات الجسام لقبَّلتم الأرض من تحت أقدامهم، ولكن نجيب منين ناس لمعناة الكلام يتلوه.

بطول الحدود وعرض البلاد هناك جند مجندة من خيرة الأجناد، ينتظرون منكم الدعاء فى صلاة العيد، ادعوا لهم بالنصر أو الشهادة، ادعوا لهم صبيحة هذا اليوم المبارك، إنا استودعناهم أمانة، وسبحانك خير مؤتمن، سبحانك الصاحب والسند، تلهمهم صبراً، وتؤتيهم عزماً، اشدد من أزرهم، سبحانك خير معين يا أرحم الراحمين.


مَن لم يَجُلْ فى صحراء الواحات القاحلة فى غرب البلاد فى الحدود المتاخمة لليبيا أو يَخْطُ على خطوط التماس شرقاً، أو يحترق بلهيب الصحراء جنوباً، لا يعرف حجم تضحيات هؤلاء، مناخ قارى يقطم المسمار برداً، ويسيل من حر صيفه عين القطر (النحاس) ويلين الحديد، ليل موحش، ونهار قائظ، وشتاء زمهرير سيبيرى، وصيف رهيب وكأنك تقف تحت شمس خط الاستواء، بحار من الرمال الناعمة لا تحتمل وزناً، يغرق فيها العصفور، وتلال وهضاب وجبال واعرة، تندر الواحات، وحشة الصحراء المصرية قفارها مكتوبة على جبين الرجال.


فى المعسكرات والكتائب والنقاط الحدودية تروى الألسنة بطولات وكأنها أساطير، كل ضابط هنا وحده أسطورة، وكل جندى وحده بطولة، والعيون لا تنام، يتسابقون إلى الشهادة، كل مهمة يتسابق إليها الأبطال فى شوق للشهادة، وكل عملية لها الموعودون.


عشت ليالى وأياماً فى معية الأبطال، وسجَّلت شهادات، وكان من التقيته أمس، أودعه اليوم، مفكرتى الصغيرة لاتزال تحوى أسماء أحياء شهداء، أو شهداء أحياء، أعزهم الله بالشهادة وكتب لجيشنا النصر، حزين على فراق الأحبة منهم، إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن، مواكب الشهداء تتقاطع فى الكفور والقرى والمدن تعلن الشهادة.


حزين على حالنا، نتلهى بالأعياد والأضاحى والاجتماعيات وليالى السمر، وحكايات عن الحب والعشق وحوت عمرو دياب وكنز محمد رمضان وبكينى نيللى كريم، نتلهى عن بطولات هى أولى بالحكى.


حزين ونحن ننتحر اختلافاً ونتمزق شيعاً سياسية وأحزاباً، وهم على قلب رجل واحد، ننهزم داخلياً وهم منتصرون، نتباكى على علاوات وبورصات ومزايدات، وهم مرابطون على الحدود، لا يلهيهم بيع أو تجارة عن ذكر الوطن من بعد المولى فى عُلاه.


أخشى أننا صرنا لا نعتبر لتضحية الرجال، ولشهادة الغُرِّ الميامين، ولا تهزنا بطولاتهم كالأساطير، ولا نقف إجلالاً للموت، الموت مثل الحزن ما بقالهوش جلال يا جدع، الحزن زى البرد.. زى الصداع، التفاهات صار لها سعر فى السوق، والإعلانات تغرق الشاشات، ونجوم الشباك ليسوا الشهداء، الشهداء صاروا غرباء، طوبى للغرباء فى أوطانهم.

نقلًا عن "المصري اليوم"

صلِّ لربك وانحر.. وتذكَّر من يقف فى خدمة فى نقطة نائية على الحدود قبل أن تشتكى من ضيق رزق وتتباكى، تمعَّن فى من يكتفى بلقيمات يقمن صلبه وهو قائم يحرس فى سبيل الله، تذكَّروا جميعاً أن هناك أحياء شهداء.. طوبى للشهداء.