رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

الحسبة القانونية

حمدي رزق- أرشيفية
حمدي رزق- أرشيفية



عاش كفاح المثقفين، وبعد جهاد لسنوات طالت واستطالت وبجهد جهيد وتراكم نضالى استطاعوا دفع سلاح الحسبة الدينية عن رقابهم، ونجحوا فى غل أيدى «المحتسبين الجدد» أن تطول حيواتهم، وصدر قانون يحظر دعاوى الحسبة الدينية فى قضايا الازدراء الدينى إلا عن طريق النيابة العامة بعد أن استحل المحتسبون الجدد فى غفلة من الزمن عقول المثقفين وأثخنوهم بقضايا الازدراء الدينى، وفى المحاكم طرف يروى منها حتى ساعته وتاريخه.

الدكتور يحيى نورالدين طراف يتحسب من نوع جديد وصنف جديد من المحتسبين ينشط أخيرا فى الساحة ويتكاثر تكاثر الفطر الأزرق السام، وفى رسالته المهمة يحذر من شيوع ما يسميه «الحسبة القانونية»، ومن توصيفه هو أخطر وأشد تنكيلاً بالمتصدين للعمل العام، إذ فجأة تحاصرهم البلاغات والقضايا من آحاد الناس يتربصون بهم الدوائر.

لا نصادر حقاً، حق المواطن فى التقاضى، وننشر رسالة دكتور طراف على هامش قضية الدكتور إسماعيل سراج الدين المحكوم بحبسه فى قضية مشابهة وفق ما يسميه طراف «الحسبة القانونية»، نعرضها على فقهاء القانون وسدنة العدالة لربما يجدون فيها ما ينفع الناس ويغل أيدى المحتسبين الجدد عن الرقاب، وهم يرتدون ثياب المصلحة العامة والحفاظ على المال العام، وهم ألد الخصام.

نصاً يقول: «فى بلادنا هيئات رقابية وقضائية كثيرة أناط بها الدستور أعمال الرقابة على الشأن العام وكل المسؤولين والمصالح، ويأتى على رأسها النائب العام والبرلمان وجهاز الرقابة الإدارية وغيرها، وكلها هيئات دستورية قوية، وظيفتها متابعة الشأن العام ومراقبته وحماية المال العام والصالح العام والدين والأخلاق العامة، ومحاسبة من يفرط أو يتجاوز فى أى من هذه الشؤون.

لذا لا أفهم كيف فى وجود مثل هذه المؤسسات الدستورية العملاقة يسمح نظامنا القضائى لآحاد المواطنين برفع الدعاوى على الآخرين يتهمونهم بإهدار المال العام أو الإضرار به أو بازدراء الدين أو بتأليف مؤلفات خارجة على العرف المجتمعى أو متجاورة للآداب العامة.

ليس للمواطن أن يرفع دعوى على مواطن آخر أو مسؤول أو هيئة إلا فيما يختصه هو شخصياً، كأرض أو شقة متنازع عليهما، أو وظيفة مستحقة منع منها، أو اعتداء بدنى أو لفظى وقع عليه فيطلب قصاصاً. أما الشأن العام وشؤون المجتمع، فله دولة ومؤسساتها وأجهزتها الرقابية الكثيرة المنتشرة، هى التى تتولاه.

غير معقول ما يحدث فى بلدنا، فقد أصبحت الدعاوى المرفوعة من آحاد المواطنين فى الشأن العام سيفاً مصلتاً على الرقاب، وكما قامت الدولة بإلغاء رفع دعاوى (الحسبة الدينية) من آحاد المواطنين بعد واقعة تفريق الكاتب الراحل نصر حامد أبوزيد وزوجته، وجعلت ذلك من اختصاص النيابة العامة فقط، فإنها تستطيع كذلك منع رفع آحاد المواطنين للدعاوى أمام القضاء فى الشأن العام أو ما يمكن تسميته (الحسبة القانونية)، وقصر ذلك على الجهة الطبيعية المخول لها ذلك فقط، وهو النائب العام.

إما هذا، وإما أن يلزم المشرع كل رافع دعوى فى شأن عام من شؤون المجتمع والدولة بحضور جميع جلسات تناول دعواه أمام النيابة العامة والقضاء، وإلا سقطت لدى أول تخلف له عن الحضور، وذلك ضماناً للجدية. كذلك توقيع عقوبة عليه كغرامة موجعة أو حبس طويل، إذا لم يأت ببينة تؤيد دعواه، أو ثبت للقاضى كيديتها».

نقلًا عن "المصري اليوم"