رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

داعش جريمة الغرب الكبرى «3»

أحمد عز العرب
أحمد عز العرب


وقفنا في الحلقة السابقة من التقرير إلى تغيير الجماعة التى أنشأها الزرقاوي لاسمها سنة 2006 بعد مقتله، في غارة جوية أمريكية وقتل خليفته بقذيفة دبابة أمريكية في 2010، غيرت الجماعة اسمها سنة 2006 إلى "الدولة الإسلامية في العراق"، معلنة عزمها على غزو كل أرض العراق كوسيلة لإنشاء دولة تحكمها الشريعة في كل العالم تدريجيا.

ويستطرد التقرير قائلًا: إن وسائل الجماعة الوحشية لفرض الشريعة دفعت الأهالى إلى الوقوف في وجهها، وقد ساعدت القوات الامريكية والميليشيات القبلية المسماة "صحوة الأنبار" على دفع داعش خارج الفلوجة وباقي الأنبار بعد قتال دموي، وقد تكونت جماعة صحوة الأنبار سنة 2005 وساعدتها القوات الأمريكية التى قامت بحملة جديدة سنة 2007 بهزيمة قوات داعش وبعد هذا النصر لم تندمج الصحوات في الجيش العراقي تحت قيادة رئيس الوزراء الشيعي نوري المالكي، الذي اعتبرها خطرًا على حكم الأغلبية الشيعية فقام الكثير من أفرادها بالانضمام إلى الدولة الإسلامية داعش.

وفي سنة 2010 تولى أبو بكر البغدادي قيادة داعش بعد مقتل قائديها الآخيرين، وقد نجح في الحصول على بعض التأييد الشعبي الذي كان القائدان القتيلان قد فقداه، وبدأ في تطوير التنظيم وقوته وزحف على شمال سوريا وحربها الأهلية في 2013، بعد أن كان قد أعلن نفسه خليفة المسلمين، وسمى داعش الدولة الإسلامية في سوريا والعراق، وقد سبب قراراه بالزحف على سوريا احتكاكًا مع التنظيم المنبثق فيها عن تنظيم القاعدة وهو جبهة النصرة للتفاوض بين الطرفين، وحاول البغدادي ضم الجبهة إليه ولكن قيادة القاعدة رفضته، وبعد عدة محاولات فاشلة للتفاوض بين الطرفين بمعرفة عدة شيوخ في مجتمع الجهاد الدولي انفصل الطرفات تماما بعد إعلان قائد القاعدة علنا رفضه لداعش.

إلى جانب الصراع على السلطة بين قادة داعش وقادة جبهة النصرة فإن الطرفين يختلفان في أسلوبهما في العمل، فالنصرة تفضل العمل التدريجي الذي يقبل التعاون مع مجموعات معارضة أخرى، ومحاولة إنشاء الدولة الإسلامية مستقبلًا أما داعش فتفضل العمل المباشر ومحاولة الاستيلاء على الأراضى وبناء دولة تحكم الشريعة فورًا.

فأيدولوجية داعش هي السلفية الجهادية ومن المهم أن نتذكر أنه بالنسبة لداعش ليس هناك فرق بين الدين والدولة فكل القرارات مبنية على تفسير متشدد للشريعة الإسلامية يطبق بقسوة شديدة في الأراضى الخاضعة لحكمه.

فالأيدولوجية قد تتطابق مع التنظيمات الأخرى مثل القاعدة وطالبان، وتختلف في طريق اختيار الوقت المناسب والشروط الضرورية لإنشاء خلافة إسلامية أما الجماعات مثل جبهة النصرة فتعتقد أنه رغم أن الهدف في المدى الطويل هو إنشاء خلافة إسلامية فإن الوقت غير مناسب لإنشاء مثل هذه الخلافة.

إن الفكر السلفى مبنى على فكرة العودة إلى ما يعتبر الصيغة النقية للإسلام كما مارسها خلفاء مؤسسي الإسلام محمد (ص) والمسلمون الأوائل، ولذلك يفرض أي إضافة لاحقة ويعتبرها بدعة وغير إسلامية ويسمح الفكر السلفى لمعتنقيه إعلان تكفير أي مسلم يحيد عن تفسيرهم المتشدد للإسلام وعقوبة الكافر في هذا الفقه هي القتل، وهناك انقسام في الفكر السلفى أيدولوجيا بين السلفيين المشتغلين بالسياسة وبين قبول الالتجاء للعنف.

لقد بدأت الحركة السلفية في مصر وكان آباؤها الايدولوجيون مماثلون تماما لآباء حركة الإخوان المسلمين، وتطورت الحركة السلفية متزامنة مع الوهابية وهي فكر محمد بن عبد الوهاب المتوفى سنة 1792 وهو الفقيه الذي كان تقشفه وتفسيره العنيف للإسلام أساس الفكر الذي قامت عليه المملكة العربية السعودية.

فالسلفية والوهابية متقاربتان جدا وكان هذا من ناحية أن الحركة السلفية والشيوخ المنتمون للإخوان المسلمون الذين ذهبوا إلى السعودية خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي، ويستخدم الطرفان كثيرا نفس التعبيرات ولكن بصفة محددة فإن الوهابية هي منتج سلفي وحركة أوسع نطاقا للسير على خط المسلمين الأوائل ويسمي الوهابيون أنفسهم بالموحدين، وهو تعبير شائع الاستعمال في كتابات داعش، وكلا الحركتين تستعملان كثيرا فكر وكتابات الفقيه الإسلامي ابن تيمية الذي عاش في القرن الرابع عشر الميلادي.

ونقف عند هذه الفقرة حتى المقال التالي ولكن علينا أن نلاحظ بوضوح ما يتضمنه هذا التقرير الاستعماري الغربي من قدرة فائقة على لي الحقائق وخلط الأوراق بطريقة تختفى فيها الحقائق وتضيع معالم الطريق، فهو يتحدث عن التنظيمات الإرهابية مثل جبهة النصرة وداعش وغيرها كما لو كانت نتاجا عربيا لا دخل للاستعمار الغربي به، فلا يشير مجرد إشارة إلى كيف قامت هذه التنظيمات وتسلحت وتم تزويدها بالمرتزقة من مختلف الدول، ويلجأ إلى الكذب الصريح عندما ينفي تماما دور المخابرات المركزية الأمريكية في خلق داعش وغيرها، وهو ما اعترفت به أمريكا نفسها فيما بعد، وتصل به الجرأة إلى الزعم بأن أمريكا التى خلقت داعش أرسلت قواتها في 2007 لمحاربة داعش تضامنا مع القبائل العربية في الأنبار ولا غرابة في ذلك طبعًا، عندما تتذكر أن ذلك قد حدث بعد أن استنفدت داعش دورها المرسوم، وأصبح دورها حاليا مجرد استمرار تفجير المنطقة وإشعال الحروب الأهلية بها واستمرار المخطط لتفكيك المنطقة وتدميرها، وتجزئة المجزأ، ولنتذكر قبلا أن بن لادن الذي كان بطلا قوميا لأمريكا والسعودية خلال الثمانينيات عندما كان يحارب الغزو الشيوعى لأفغانستان تحول في نظر خالقيه إلى شيطان رجيم عندما انتهى دوره وتحول إلى عدو لحاضنيه، قتلته أمريكا ودفنته في مياه البحر حتى لا يتحول قبره إلى مزار لأتباعه، وسنوضح ذلك في حينه.