رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

يحدث فى مصر الآن!

حمدي رزق
حمدي رزق


يا نهار اسود، صورة المرأة المصلوبة على عمود النور فى بلبيس/ شرقية صورة بربرية، ترتد بنا إلى عصور غابرة غارقة فى الظلام، عصور ما قبل القانون، عصور عارية من الإنسانية، شريرة، مُوحِشة، متوحشة، لا حرمة ولا قانون ولا عُرف ولا شىء سوى الانتقام التام أو الموت الزؤام.

صورة شاذة عن طبيعة المصريين عامة، والشراقوة خاصة، معلوم ناس طيبين، الوحشية تنضح من الصورة، وهم فرحون يصلبون السيدة المرعوبة، ويوثقون وثاقها ويرفعونها عنوة للصلب على العمود، صور وحشية، مخيفة، صورة مكبرة من الحقد والغضب والثأر الذى سكن القلوب، صورة، صورة، كلنا عايزين صورة، صورة للبشر المسعورة.

هذا ليس قِصاصاً، ولا عقاباً، ولا ترهيباً، ولا تخويفاً، ولا حتى رجولة، إنها وحشية، وحتى ولو كانت متهمة بالخطف وتسللت خفية شروعاً فى الخطف، سلموها للشرطة، وهناك النيابة، المحكمة، القاضى على المنصة يُنزل بها العقاب الرادع.

صلب المتهم عقوبة من زمن مضى، تجاوُز لكل القوانين والأعراف، فى الحارات المصرية الطيبة عادة يحمون اللص من الضرب، ويسلمونه للشرطة، ابتداع الصلب بعد القبض، وقبلها الضرب، وعلقة ساخنة، هذا تغوُّل على السلطة والقانون.

عندما يجنح الناس للقِصاص بأيديهم فقل على مصر السلام، مصر الحضارة ارتدت فجأة بعد ثورة إلى عصور الغاب، إلى عصور يصلب فيها الإنسان أخاه الإنسان ولا يدارى سوءة أخته، بل يفرج عليها وعلينا العالم بأسره.

هل لايزال هناك قانون فى هذا البلد؟

هل لاتزال هناك إنسانية فى هذا البلد؟

هل بلغنا من القسوة حدود الصلب تشفياً واستعراضاً، وشباب تحولوا إذ فجأة إلى فتوات، وضرب وركل وسحل، ثم هات الحبل يا نجم، واربطها لحد ما يبان لها صاحب، وصوّر وشيّر تشييرا كثيراً.. والسيدة كالقطة المذعورة وسط حلقة النار.

فى هذا الربع من البلاد سبقت حوادث من نفس العينة، قبضاً وسحلاً وقتلاً وتمثيلاً بالجثث فى الشوارع، والسنوات الماضية تمت فيها جرائم قتل على الهوية، والتمثيل بالجثث على قارعة الطريق وسحلها فى الشوارع كاللحم المكشوف.

الصورة التى لفّت العالم برهان، صورة لو تعلمون كافية ليشيح العالم المتحضر بوجهه عنا، يأنف فعلنا، ويدين صنيعنا، وأمام أنفسنا ألا نخجل، ألا نغضب، ألا نستحى، ولو قاطع طريق، هناك مَن يتولاه بالقانون، ولكن قطع الطريق وحصار السيدة فى الحارة المزنوقة والتعدى عليها ضرباً وسحلاً وصلبها تشفياً على أعمدة النور.. يااااه على الظلمة فى النفوس!!

صورة هى الهوان بعينه، هى الإرهاب بعينه، صحيح لا أحد يعرف هوية السيدة المصلوبة، ولكن العالم كله شاهد الصورة، هل هذه صورة مصر، هل هذا يحدث فى مصر الآن؟

والناس فرحانة وبتصور وبتشيّر.. تباً لكم، وسحقاً لأفعالكم، استحوا قليلاً، ألا تخجلون من صوركم المنشورة وأنتم تتحلقون كالضباع حول سيدة ضعيفة، لا حول لها ولا قوة، وعاملين رجّالة، تباً لكم ولفعلكم الكريه، انبذوا هذه الصورة، العنوها والعنوا فاعليها، وإلا صارت مثلاً.

نقلًا عن "المصري اليوم"