رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

إعلام دولة الخوف

محمد سعد عبدالحفيظ
محمد سعد عبدالحفيظ عضو مجلس نقابة الصحفيين


أصدرت رئاسة الجمهورية بيانًا فجر اليوم جاء فيه أن «الرئيس يستشعر نبض الشارع المصري ويدرك مدى ما يتحمله المواطن المكافح من أعباء في هذه المرحلة الاقتصادية الصعبة، وتابع ما ترتب على إصدار قرارات تتضمن رفع الضرائب على بعض السلع والخدمات من ردود فعل ناشئة عن التخوف من أن يؤدي تطبيق هذه القرارات إلى ارتفاع في الأسعار وزيادة تكاليف المعيشة على المواطنين».

وأكد البيان أن الرئيس «لا يقبل أن يتحمل المواطن المصري أي عبء إضافي إلا باختياره ورضاه، وقرر وقف سريان هذه القرارات، وكلف الحكومة بأن تجري حولها نقاشًا مجتمعيًا علنيًا يتولاه الخبراء المتخصصون حتى يتضح مدى تمتعه بقبول الرأي العام». 

واختتمت رئاسة الجمهورية بيانها قائلة: «سيبقى الشعب دائمًا هو صاحب الصوت الأعلى والقرار الأخير». 

عفوا عزيزي القارئ، فالبيان أعلاه صدر عن رئاسة الجمهورية بالفعل، لكن تاريخ صدوره مر عليه أكثر من أربع سنوات، حيث كان الرئيس “المعزول” محمد مرسي قد أصدر قرارا برفع أسعار عدد من السلع والخدمات، ونشرت تلك التعديلات في الجريدة الرسمية، وقالت مصادر حكومية حينها إن “تلك القرارات تأتي ضمن التزامات حكومية ببرنامج إصلاحي تم الاتفاق عليه مع صندوق النقد الدولي لاقتراض 4.8 مليار دولار”.

تراجع مرسي عن قراراته قبل مرور 12 ساعة على سريانها، وصدر البيان السالف، يحمل في طياته إقرار بخطأ الرئيس وحكومته بعد قصف إعلامي كثيف طال مرسي وجماعته. 

الإعلام بمختلف وسائله تعامل مع قرارات مرسي باعتباره نبض الشعب ولسان حاله، مهددا “المعزول” وجماعته بمصير سلفه “المخلوع”، وخرجت الصحف مساء صدور القرارات بمانشتيات من عينة “خراب يا مصر في عهد مرسي”، “النظام الإخواني يرضخ لشروط صندوق النقد على حساب الغلابة”، ودارت ماكينة برامج “التوك شو” المسائية لتنقل غضب المواطنين في الشارع مع تحليلات عن تأثير الزيادة على باقي السلع، وتقارير تستدعي انتفاضة الشعب في 18-19 يناير 1977 على قرارات السادات برفع أسعار بعض السلع التموينية.

أمام الغضب الشعبي الذي نقله الإعلام على الهواء مباشرة، وبعد توصية “جهات أمنية” بأن النار قد تعاود الاشتعال في الشارع الساخن أساسا، رضخ مرسي وأصدر بيانه فجرا متراجعا فيه عن قرار رفع الأسعار.

صباح الخميس الماضي، أعلنت الحكومة عن ثالث زيادة في أسعار الوقود منذ أن وصل الرئيس عبد الفتاح السيسي إلى السلطة، الزيادة التي تجاوزت الـ40% ونزلت على المصريين كالصاعقة، فتحول الأنين المكتوم إلى حالة غضب اجتاحت محطات الوقود ومواقع التواصل الاجتماعي.

إعلام مصر الجديدة الذي زايد على الشارع قبل 4 أعوام “عمل من بنها”، لم يكتف فقط بتجاهل غضب الناس وقلة حيلتهم وهوانهم على السلطة، بل تبارى في تبرير قرارات زيادة الأسعار، وذهب البعض إلى اعتبارها إنجاز غير مسبوق فخرجت مانشتيات اليوم التالي ما بين “الحكومة تواصل مشوار الإجراءات الصعبة” و”مصر في عام الخروج من الأزمة”، فيما لم تتوقف شاشات الفضائيات عن عرض تقارير وتحليلات عن إنجازات الأعوام الثلاث الماضية. البعض تجرأ ونقل بعضا من مشاعر الغضب الشعبي على الزيادة لكنه اصطدم بمن لا يرحم فأجبر على تغيير عناوين الصفحات الأولى، فيما تحايل البعض الآخر ونقل جزء من الصورة مع تخفيف النبرة لكنه لم يسلم من الضغوط أيضا.

قد يكون من المفهوم أن يرضخ الإعلام لضغوط دولة الخوف، فتصبح اعتبارات الحفاظ على استمرار المؤسسات الإعلامية مفتوحة مقدمة على نقل الحقيقة كما هي، ويتحول هاجس الحجب ووقف الطبع وقطع الأرزاق إلى قيد يحاصر الضمير المهني، لكن أن يتطوع البعض ويقلب الحقائق فيصبح الغضب والرفض “تفهم شعبي للقرارات الصعبة”، هذا ما يدخل في حيز النفاق والتدليس الذي يمارسه أبناء صاحبة الجلالة والذي تخطى بمراحل نفاق “طشة الملوخية” الذي تفشى في نهايات عهد مبارك.

أخيرا.. هل يحق لنا أن نسأل لماذا هجر الناس الفضائيات المصرية وارتفعت نسب مشاهدة قنوات الإخوان؟ أو انخفضت أعداد توزيع الصحف؟!
نقلًا عن "البديل"