رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

مواهب الزعيم

فهمي هويدي- أرشيفية
فهمي هويدي- أرشيفية


هذه قصة لها مغزاها العميق وقعت عليها قبل عدة أشهر، واحتفظت بها كى أستفيد منها فيما أكتب. ورغم أننى ظللت أستحضرها فى مناسبات كثيرة خلال تلك الفترة، إلا أننى كنت أتردد فى نشرها خشية التأويل وسوء الفهم. وقد وجدت فى مناسبة العيد فرصة لنشرها باعتبارها مادة من خارج الأحداث التى تضغط على أعصابنا طول الوقت. ومن باب الاحتياط ولقطع الطريق على الخبثاء والمتأولين أنبه إلى أن أى تشابه بين شخوصها وبين أى من النماذج المحيطة بنا يظل محض مصادفة ليس أكثر.
تتحدث الرواية عن ملاك كان مسئولا عن قبض الأرواح ثم إعادة منحها للمواليد الجدد. وقد تعرض ذلك الملاك لمأزق حيَّره ذات مرة. إذ فرغت القائمة من أسماء الذين عليه أن يحصد أرواحهم، فى حين كان لديه العديد من المواليد فى حاجة إلى روح. حينئذ لجأ إلى أحد المحتضرين ممن كانت أرواحهم ستقبض بعد وقت قصير، فاتجه إليه يستعطفه لكى يعجل بقبض روحه قبل أن يحين أجله المحدد. بعد أخذ ورد وافق المحتضر على ذلك، لكنه اشترط أن يطلع على مصير الشخص الذى ستئول إليه روحه. فعرض عليه الملاك ما توافر لديه من بيانات المواليد الجدد، إلا أن المحتضر لم يعجب بمصير أى منهم. أخيرا أغراه الملاك بمولود قال إنه سيصير زعيما فى بلده، وهو ما أثار اهتمام صاحبنا وإعجابه، بعدما وجد أن روحه ستحل فى زعيم قادم، فقال للملاك: الفكرة ممتازة. إذ لا أشك فى أن وجهه ستحيط به هالة من نور، والزعامة منقوشة على وجهه وستظهر ملامح عبقريته وهو طفل. لكن الملاك حين راجع البيانات الموجودة لديه هز رأسه أسفا وقال ليس الأمر كذلك، إذ لن تظهر عليه تلك العلامات، لأنه ستعتريه بضع أمارات من البلاهة. فقال الرجل المحتضر: إذا فالنباهة ستبدو عليه فى مراحل الدراسة فيما بعد.
ــ بالعكس تماما، لأنه سوف يتعثر فى دراسته، وقد يرسب فى بعض صفوفها، لذلك فإن زملاءه سوف يصفونه بالغباء.
< لابد أنه سيكون بهى الطلعة مهيب الجانب وممشوق القوام.
ــ سيكون هزيلا وعليلا ومثيرا للعطف والتهكم من قبل زملائه.
< إذا ستبدو عليه علامات الزعامة حين بلوغه ودخوله المرحلة الجامعية، فيغدو قائدا طلابيا شجاعا وملهما يلهب الرفاق حماسة.
ــ أبدا، فكثيرا ما سيحتقره زملاؤه لفرط جبنه ووضاعته.
< سيكون ذرب اللسان قوى البيان محسودا بين أقرانه.
ــ انس مسألة البيان. لأنه ما إن يتفوه بشىء حتى يثير التندر والسخرية.
< لابد أن عبقريته ستنبثق فى الحياة العامة بعد الدراسة، فتتفتق شهامته ونبله وشجاعته وكل الصفات العظيمة التى تليق بزعيم.
ــ لا شىء مما تذكره إطلاقا، والكثير من عكس ذلك هو الصحيح.
عند ذلك الحد فاض الكيل بالمحتضر، واستشاط غضبا وحيرة فقال ضجرا: إذا بالله عليك، كيف سيصير ذلك الفاشل الكريه زعيما يقود قومه ويتحكم فى مقاديرهم؟.. تركه الملاك حتى سكن، ثم قال له بهدوء وبرود. لا عليك. بعد أن يصير زعيما، ستنهال عليه المدائح وسيكون كل ما ذكرته من الصفات الفريدة صحيحا، بل أكثر.

نقلًا عن "الشروق"