رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

جابر نصار.. أتعبت كل من بعدك

جابر نصار
جابر نصار

 في منتصف شهر نوفمبر من العام 2015، كلفتنى جريدة النبأ الوطني بتغطية أخبار جامعة القاهرة بعد فترة وجيزة من التحاقي بالعمل فيها، لتتاح لي فرصة للدخول إلى أروقة الجامعة العريقة للمرة الأولى في حياتي الصحفية.


كانت الجامعة بالنسبة لي مجتمعًا جديدًا غير مستكشفًا، خاصة أني لم أكن أعرف فيها سوى اسم الدكتور جابر جاد نصار رئيس الجامعة، نظرا لصيته الذي ذاع حتى قبل التحاقي بالعمل الصحفي، بقيت فترة أخطط لما سأفعله وأمام ناظري تجارب سيئة سابقة للتواصل مع مسئولين في أماكن مختلفة، ثم قررت أن أبدأ عملي سريعا.


مطلع شهر ديسمبر من نفس العام كان تواصلي الشخصي الأول مع الدكتور جابر نصار، بعد أن نشرت إحدى الصحف القومية تقريرا مليئًا بالاتهامات له، ناسبة إياها لكيان وهمي باسم "جبهة إنقاذ جامعة القاهرة"، حصلت على رقمه الخاص ثم اتصلت به وفي داخلي بعض القلق.


بينما كانت أناملي تلامس شاشة هاتفي لتكتب رقم رئيس الجامعة كان التفكير يتملكني.. يا ترى ماذا سيكون رده على سيل الاتهامات هذا؟ أم هل سيجيب على اتصالي من الأساس وهو لا يعرفني.. مرت الثواني ببطء دون أن أتلقى ردًا منه.


بعد دقائق معدودة، فوجئت بهاتفي يرن، وبدا على الشاشة أن المتصل هو الدكتور جابر نصار، ورغم أنني كلت على سامعيه الاتهامات التى قرأتها بصورة فيها بعض من الفظاظة، إلا أن الرجل لم يثور في وجهي أو يغلق الهاتف كما يفعل بعض المسئولين.


لاحقا، أتيحي لي لقاء "نصار" في مناسبات عدة، واقتربت منه لدرجة سمحت برفع حاجز الرسميات أحيانا، ليتاح لي رؤية جابر نصار الإنسان جنبا إلى جنب مع رئيس جامعة القاهرة.


رأيته يبكي ويضحك، يغضب ويهدأ، يرق ويقسو، فاكتملت في خاطري صورته مجردة من جامعة القاهرة، التى لازمها ولازمته طوال فترة تعاملنا.


بكى تأثرا برحيل أساتذة في الجامعة، وودع بدموعه الفقيه الدستوري الراحل ثروت بدوى "معلمه" الذي كان على النقيض منه في الأراء السياسية، وسكب عبرات أخرى بعد وفاة زميلنا الصحفي وليد العربي الذي توفى للمصادفة في مثل هذا اليوم من العام الماضي، ضحك مبتهجا بين الطلاب الذين دعوه للمشاركة في مناسباتهم الشخصية، وغضب في مرات عديدة ومازال موقفه من نائب كشف العذرية حاضرًا في أذهان الكثيرين، هدأ داخل الندوات والفاعليات التى أقامها على مدار مواسم ثقافية عديدة، وقسا على الفاسدين، بينما رق لعدد من الحالات الإنسانية بين الطلاب والعاملين.


نجح في مهمته بصورة باهرة، وجلب عليه هذا النجاح لعنات ومشكلات، عاده وزير وجفاه مسئول أكبر رغم أنه أنجز ما فشلا فيه مجتمعين، بحثت عن سبب لهذا العداء فلم أجد أبلغ من قول الشاعر: كل العدوات قد ترجى مودتها .. إلا عداوة من عاداك عن حسد.


رفض تدخلات في جامعته من جهات شتى، ودفع ثمن ذلك غاليا فتعرض لتهديدات وحوصر بضغوطات، أثقلت كاهليه الهموم فطار من عينيه النوم وقلما رأيته غير مجهدًا أو باديا عليه آثار الحرمان من النوم، لكنه بالرغم من ذلك لم يضعف أو يلين وظل متحملاً المسئولية كاملة ولم يقصر فيها.


واليوم يعلن جابر جاد نصار عن نيته للرحيل عن كرسي عميد العمداء، ساكبا الدموع الصادقة في وداع الجامعة التى استقبلته معطرة بقنابل الغاز، ليخط الفصل الأخير في حكاية نهضة جامعة القاهرة من جديد، ومخلفا وراءه تركة ثقيلة على من سيخلفه، لكن التاريخ سيكتب أن جابر جاد نصار صدق في شعاره الذي رفعه منذ اليوم الأول وهو "جامعة شفافة مستقلة"، وسيسجل في ذاكرته أن رئيس جامعة القاهرة الحالي قد أتعب الحالمين بالوصول إلى منزلته.. حقا أتعبت من بعدك يا جابر يا نصار.