رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

عبد الله السناوي: الدولة تُدار بطريقة أمنية وليست سياسية.. والنظام لا يريد البحث عن أخطائه.. «حوار»

عبد الله السناوى
عبد الله السناوى


قرض صندوق النقد الدولى «قرص أسبرين» لن يُنهى المرض فى الاقتصاد


البرلمان يقدم دعمًا بـ«شيك على بياض» للسلطة التنفيذية.. ولن يسحب الثقة من الحكومة


الأمن يدير مجلس النواب ووسائل الإعلام.. وكتم الأصوات لن يحمي النظام


«الإخوان» لن تنتهى.. والدولة ليست لديها استراتيجية واضحة فى التعامل معها


الرئيس يسير عكس «مبارك».. والأمن دخل فى أزمة مع القضاة و«يتحرش» بالأزهر


أعداء «الجماعة» هم الذين يهيئون الآن لعودتها من جديد


يوجد تعاون أمنى واستخباراتى غير مسبوق مع إسرائيل.. رغم أنها اللاعب الأساسى وراء تفشى الإرهاب


هناك توجه حقيقى لدى «ترامب» لإسناد دور عسكرى محورى للقاهرة فى الأزمات الإقليمية


الاتصالات مستمرة بين مصر وإيران على المستوى المخابراتى والأمنى منذ فترة طويلة


قال عبد الله السناوي، الكاتب الصحفي الكبير، إن «الناتو العربي» حلف أمريكي- إسرائيلي، ولا مصلحة للسيسي أو مصر في المشاركة به، خاصة أن هذا الأمر يعرض القاهرة للنزاعات الطائفية والمذهبية، فضلًا عن الصدام مع «الحليف الروسي».


وأضاف «السناوي» في حواره لـ«النبأ»، أن قرض صندوق النقد الدولي مجرد «قرص أسبرين» لن يُنهي المرض في الاقتصاد المصري، وإلى تفاصيل الحوار:


ما الذي تستفيده مصر من زيارة السيسي لأمريكا؟

نتائج زيارة السيسي لأمريكا تتطلب وقتًا حتى تتحقق، فالرئيس هدفه من هذه الزيارة، كسر الحصار المفروض على نظامه، وعليه هو شخصيا بعد «30 يونيو»، فضلًا عن وجود رهانات متبادلة بين رئيس مصر، والرئيس الأمريكي دونالد ترامب، وهذا يحقق للسيسي استقرارًا داخليًا، ولكن هذا سيكون له ثمن، وضغوط للوصول إلى صفقات سياسية متعددة مع إدارة «ترامب».


من وجهة نظرك.. ما هذه الضغوط؟

هناك قضيتان رئيسيتان؛ القضية الأولى: ملف الإرهاب والحرب على داعش، والدور الذي تعمل عليه إدارة «ترامب»، وتسنده إلى مصر، خاصة أن هناك رهانًا على إحياء الدور الإقليمي للقاهرة التي قد تدخل في خيارات أخرى تعمل ضد الأمن القومى، وتقويض القضية الفلسطينية، وهل ثمن هذا الدور الصدام مع إيران رغم التحسن النسبي فى العلاقات، والاتصالات المستمرة على المستوى المخابراتى والأمنى منذ فترة طويلة.


كما أن الرهان على الدور الإقليمي لمصر يطرح أيضًا أسئلة مهمة منها: هل ذلك سوف يؤثر على الرهان الروسي على القاهرة وعلى مشروع الضبعة النووى والمشروعات الروسية؟ أو هل مصر بصدد الدخول فى حلف عسكري تقوده الولايات المتحدة، ويموله الخليج بما يعرف بـ«الناتو العربي»، أم أن القاهرة سوف تحافظ على أمور أساسية من بينها رفض الدخول فى أحلاف عسكرية وهذه سياسة مصرية معتمدة منذ رفض حلف بغداد.


كما أنه إلى أي حد سيحافظ السيسي على وعوده فى عدم الانخراط فى عمل عسكري خارج الحدود؟، فكل ما هو معروف حتى الآن هو أن هناك توجها حقيقيا لدى إدارة ترامب لإسناد دور عسكري محورى لمصر فى الأزمات الإقليمية مثل سوريا والعراق واليمن وليبيا، وأظن أنه لن يسمح لمصر بأى تدخل عسكري فى ليبيا لوجود استراتيجيات متوافق عليها، وسوف يظل الأمر محصورًا ربما بمزيد من الدعم العسكري للجيش الوطنى الليبي.


الخطر الحقيقي هو الدخول فى الحروب بالوكالة بسوريا، فمن الدول الكبرى الأخرى التي ستشاركنا في هذا التدخل؟، ربما تكون الأردن، ولكن السؤال هو أي مصلحة تدفعنا للدخول في مثل هذه الحروب؟، فأتصور أن اللعبة فى النهاية فى سوريا سوف تتطلب حلا سياسيا وفقا لوثيقة جنيف، فهل ستكون مصر قوة سلام وحل وإنقاذ ما يمكن أو ما تبقى من سوريا، أم تنخرط فى صراعات وتخسر حلفاء استراتيجيين مثل إيران وروسيا دون أن تكون واثقة فى الحلفاء الجدد مثل إدارة ترامب، وحكومة بنيامين نتنياهو.


وماذا عن القضية الثانية؟

هي القضية الفلسطينية والحديث عن صفقة القرن، فلا توجد هناك أية مرجعيات سياسية لدى ترامب؛ لأنه لا يعترف بأى مرجعيات ولا يبدو متحمسا لحل تلك القضية، فعلى أي نحو سوف يسعى السيسي لحل الدولتين؟، كما أن حكومة نتنياهو تعتقد أنها فى وضع أفضل أمام تدهور الوضع العام العربي، وانشغال مصر بأزمتها الداخلية، والحرب فى سيناء وحاجتها إلى تعاون استخباراتي مع إسرائيل، كما أنني أرى أنه يوجد مبالغة فى نتائج الزيارة، فهناك اختلاف بين الاستقبال الدافئ للرئيس السيسي فى البيت الأبيض، وبين النتائج الاقتصادية والاستراتيجية والإقليمية التي قد تطرح على مصر فى مشروعات محددة فى الفترة المقبلة.


وماذا عن الناتو العربي؟

الناتو العربي حلف أمريكي- إسرائيلي، والتصور العام فيه أن تكون مصر بقوتها العسكرية بتمويل خليجي، ولكن هذا الكلام يتناقض مع الإرث الوطني الخاص برفض أى تحالفات عسكرية، واستمعت من «السيسي» مباشرة بأنه لن يتدخل «عسكريًا» لا في سوريا ولا ليبيا ولا اليمن، إذًا ما المبرر أن نخرق هذا «الإرث» وننخرط في تحالف إسرائيل طرف رئيسي فيه، ويصب في مصلحتها، وسوف يكون سيئ السمعة لكل من يشارك فيه على مستوى التاريخ، فأرى أنه لا مصلحة للرئيس السيسي، ولا مصر وأمنها القومي، من الانخراط في هذا التحالف.


وما مخاطر الانخراط في هذا التحالف؟

إذا انخرطنا في هذا التحالف، سننخرط أيضًا في النزاعات الطائفية والمذهبية، ومصر لاتعرف ذلك، فأعتقد أن هذه مشكلة أساسية تمنع القاهرة من المشاركة في «الناتو العربي»، كما أننا سنجد أنفسنا في صدام مع الحليف الروسي، ومصر لابد أن تكون سياستها واضحة، وأن تتحدث بـ«خشونة» مع أي ضغوط محتملة من «ترامب»، ولدى القاهرة فرصة بأن تتمسك بقرارات قمة «البحر الميت»، والمبادرة العربية رغم أنها ماتت، إلا أن التمسك بها في هذه اللحظة، يُعد «حائط صد» ضد الضغوط، فلا يجب أن تتحمل مصر وحدها مسئولية التطبيع المجاني، والآخرون يدخلون في سرب، وتتحمل القاهرة العواقب، فهذا خطأ تاريخي.


كيف ترى علاقة السيسي بإسرائيل حاليًا؟

هناك تعاون أمني واستخباراتي غير مسبوق فى سيناء بالتحديد مع إسرائيل، رغم أن «تل أبيب» هي اللاعب الأساسي لتفشي الإرهاب، وربما هذا دفع لمزيد من التفاهم وتقديم تنازلات، كما أنه يوجد اتصالات مصرية إسرائيلية على مستوى القمة، ولكن لا نعرف ما طبيعة العلاقة بالتحديد وما حدودها؟.


هل تتوقع إدراج الإخوان جماعة إرهابية بعد لقاء السيسي وترامب؟

الواضح من تصريحات ترامب، أنه لن يبت في هذا الأمر قريبًا؛ لوجود مؤسسات أمريكية ترفض اعتبار الإخوان جماعة إرهابية، ولكن المؤكد أن مستويات العلاقة بين «الجماعة»، والمؤسسات الأمريكية، والبيت الأبيض، ستنخفض، ولكنها لن تلغي العلاقات.


وما تعليقك على الحديث الخاص بأن هذا اللقاء كتب نهاية الجماعة؟

هناك اختلاف بين تلقي الإخوان «ضربة قاصمة» في 30 يونيو، وبين الحديث عن أنها قد انتهت، ولم يعد لها وجود، فـ«الجماعة» لن تعود في زمن السيسي، ولا في الزمن الذي يليه، كما أن انقساماتها الداخلية شديدة، وسوء أدائها الفادح أثناء توليها السلطة، جعل القطاعات المدنية تفقد الثقة بها، وكذلك تحريضها على العنف والإرهاب ضد الجيش والشرطة كلها تعقيدات تجعل من عودتها القريبة مسألة فوق طاقة الرئيس وطاقة أى نظام.


أما الحديث عن أنها انتهت، فهذا حديث محمل بالأماني أكثر من الحقائق، فـ«الجماعة» لن تنتهي، وأفكارها ما زالت موجودة لدى قطاعات كبيرة في المناطق الفقيرة، كما أن إخفاق الحاضر بعد 30 يونيو لم يصب في صالح الإخوان، ولكن أعطاها شيئًا من المنطق في اعتراضها على الأوضاع الحالية في مصر، ثم إن التضييق على المجال العام في الحريات ووسائل الإعلام والتعبير، أفسح المجال إلى زيادة في مشاهدة قنوات الإخوان.


في مثل هذه الأوضاع، لن نستطيع القول غير أن هناك فارقًا بين سقوط الإخوان من السلطة، وبين خروجهم إلى الأبد من الحياة السياسية، فهم سيظلون موجودين، وأي كلام آخر غير ذلك، هو ادعاء وتجاهل للحقائق، والأخطر من ذلك أنه لا توجد استراتيجية واضحة أو مقنعة من قبل الدولة في التعامل مع جماعة الإخوان.


ماذا تقصد بعدم وجود استراتيجية في التعامل مع الإخوان؟

قائمة العفو الرئاسية التي صدرت مؤخرًا يوجد بها 200 شخص من الإخوان، وبعضهم صدر بحقه أحكام بالسجن المؤبد، بينما لم يفرج عن شاب واحد من شباب الثورة، ما يدل على أن الكراهية لهم أكثر من الكراهية للإخوان، نحن نريد أن تُبنى دولة دستورية تعتمد على العدل الاجتماعي والكرامة الإنسانية، كما أنه يوجد غياب كامل للسياسة، والأحزاب غير موجودة ويتم «تقويضها» من الداخل كلها، والأمن هو الذي يصنع السياسات العامة، ودخل في أزمة مع القضاة،  و«يتحرش» بالأزهر، ففي ظل هذه الأوضاع، «الجماعة» سوف تعود، بل إن أعداء الإخوان، هم الذين يهيئون الآن لعودتها من جديد، فلا أقبل أن يوضع داخل السجون من لم يتورط في عنف سواء من الجماعة أو غيرهم، والإدارة كلها للبلد أمنية وليست سياسية.


وماذا عن المصالحة؟

هناك ألغاز كثيرة، ما يجري من إفراج عن الإخوان المسلمين، يدخل فى إطار سياسة التهدئة، أنا أؤيد الإفراج والتسامح مع من لم يستخدم عنفا سواء من الشباب أو المتقدمين في السن، وأدعو إليه طوال الوقت، ولكن لابد أن تكون المعايير واضحة، والأهداف محددة؛ لأنه يوجد تناقض في الخطاب، فأنت تدعو الولايات المتحدة إلى اعتبار الجماعة «إرهابية»، بينما يتم في نفس الوقت تسويات، وإفراج عن إخوان مسجونين.


هل السيسي يسلك نفس إستراتيجية مبارك فى التعامل مع الشعب؟

إستراتيجية السيسي تختلف عن «مبارك»؛ ففكرة «خليهم يتسلوا»، وعدم الاهتمام بالاحتجاجات، دفع «مبارك» ثمنها، أما السيسي على العكس من ذلك تمامًا؛ فهو يبالي ويمنع من المنبع، ويكتم درجات الاختلاف، فكلتا الطريقتين خطأ؛ لا حرية الصراخ حمت نظام مبارك، ولا كتم الأصوات سوف يحمي نظام الحكم الحالي، فنحن نحتاج إلى بناء دولة دستورية قانونية ديمقراطية حديثة تحفظ الأمن وتصونه، لا تجور على المجال العام، ولابد أن تعتمد هذه الدولة على الجوانب السياسية في صنع القرار، وإدارة الحوار العام؛ للوصول إلى مثل هذه الدرجات، لكن غياب السياسية بشكل فادح في العصر الحالي، أكبر خطر يتعرض له النظام.


من الذي يحرك مجلس النواب.. الأمن أم رجال الأعمال؟

الأمن يدير مجلس النواب، مثلما يُدير وسائل الإعلام أيضًا.


كيف ترى الحديث عن نظرية المؤامرة؟

هي نوع من التآمر على المجتمع كله، لأن هذا المجتمع من حقه أن يعرف أين بواطن الخطر، والحديث عن الطابور الخامس الذي يقف وراء هذه المؤامرة، يحرمنا من معرفة الأخطاء والسلبيات الموجودة في الدولة، ففي كل فشل يبرر بأن هناك مؤامرة، وجماعة شر، وكل كارثة تحدث لابد أن يكون وراءها طابور خامس، وجيل رابع من الحروب، النظام لا يريد أن يبحث عن أخطائه وسلبياته ونقاط ضعفه، فيحاول أن يداري على أخطائه بالحديث عن المؤامرة، وأهل الشر، فأظن أن الهوس بنظرية المؤامرة، يلغى العقل، ومعرفة الواقع وهذه كارثة بذاتها.


هل تتوقع أن يُصدق البرلمان على اتفاقية تيران وصنافير؟

هناك حكم نهائي وبات يقضي ببطلان اتفاقية «تيران وصنافير»، وتأكيد مصرية الجزيرتين، وأخطر ما في هذه القضية أن يتم «جر» الهيئة القضائية إلى نزاعات داخلية، وتدخل إلى المحكمة الدستورية التي من المتوقع أن تقضي بـ«مصرية الجزيرتين».


وماذا عن تعديلات قانون السلطة القضائية؟

الكل يعرف أن الهدف الرئيسي منها، هو منع القاضى الجليل يحيى الدكرورى من أن يصبح رئيسًا لـ«مجلس الدولة» في يوليو المقبل، وهو الذي حكم بـ«مصرية تيران وصنافير»، كما أنه صدام مع القضاء، لأنه يوجد عرف راسخ بأن تولي المناصب في القضاء يكون بـ«الأقدمية»، لكن فكرة أن تعطي لرئيس الجمهورية حق اختيار رؤساء الهيئات القضائية، فهذا يعني تداخلًا بين السلطات، وفرض وصاية من السلطة التنفيذية على السلطة القضائية.


القضاء سلطة مستقلة، والتحرش به «لا لزوم له»، كما أن البرلمان يلجأ في الفترة الأخيرة إلى التحرش بالإعلام، وكذلك يتحرش بالأزهر في القانون الجديد الذي يثير الفتن، والقصد منه تغيير شيخ الأزهر الشريف، الدكتور أحمد الطيب المحصن «دستوريا»، هناك أمور كثيرة «لا لزوم لها الآن»، ولكن نحن لدينا فقر في الدم السياسي.


هل طالبت بحل البرلمان؟

دعوت إلى حل البرلمان على إحدى الفضائيات، ولم أكن أقصد ذلك، لكن الحقيقة البرلمان بتشكيله، بأدائه، بالقانون الذي انتخب على أساسه، أصبح عبئا على البلد، الوحيد الذي له الحق في الدعوة إلى الاستفتاء لحل البرلمان، هو رئيس الجمهورية، وكل ما قلته أنه لو طرح استفتاء على البرلمان الحالي، فستجد أن 95% على الأقل سيوافقون على هذه الخطوة، بل من الممكن أن تصل النسبة لأعلى من ذلك بكثير؛ فكل ما يمارسه البرلمان حتى الآن، هو السب والقذف، ومشاهد هزلية، وشخص يرفض الحلف على القسم الدستوري، وآخر يحلف بأن جزيرتي «تيران وصنافير» سعوديتان، كل هذه أمور «استفزازية».


ما السبب في سوء أداء البرلمان؟

الكتلة الأكبر فى البرلمان، والتي تسمى نفسها «دعم مصر»، ترى أن الهدف دعم السلطة التنفيذية، وليس الرقابة عليها، فالبرلمان عسكري، ويقدم دعمًا بـ«شيك على بياض» للسلطة التنفيذية، ولن يقوم بأي محاولات نهائيًا لسحب الثقة من الحكومة.


وكيف ترى مناقشة البرلمان لقرض صندوق النقد الدولى بعد الحصول على الدفعة الأولى؟

قرض صندوق النقد الدولى غير دستورى، ولا بد أن يتم الموافقة عليه من قبل البرلمان قبل الحصول عليه، فلا يوجد لدينا برلمان يحترم نفسه ولا الدستور، ولا تحترمه الحكومة ولا الرأي العام، لأنه لا يمارس سلطاته الحقيقية، ويقبل إهانته على هذا النحو، ولم يدافع عن نفسه.


هل كان هناك بدائل أمام مصر غير اللجوء لهذا القرض؟

كان يوجد بدائل أخرى أمام مصر منذ فترة، الإصلاحات الاقتصادية الحالية «مريرة»، ولكنها كانت «حتمية»؛ لأننا كنا على شفا إعلان إفلاس الدولة.


قرض الصندوق «قرص أسبرين» لمرض عضال، وبالتالي هو يوقف الصداع، ولكنه لن ينهي المرض في الاقتصاد، فالنظام لا يوجد لديه فلسفة تنمية واضحة، ونحن أمام رأسمالية متوحشة، وعودة إلى السياسات القديمة، بنفس الوجوه ونفس المنطق، فلا يوجد تصور آخر لإدارة الأزمة الاقتصادية، ولم يكن هناك حوار حقيقي بين الخبراء الاقتصاديين داخل مصر وخارجها للتفاهم حول التصور الذى يتفق مع الدستور، فتم تبني «روشتة» الصندوق على أنها خاصة بالدولة، وحاول النظام أن يحظى بشهادات من أركان النظام السابق  مثل بطرس غالى وأحمد عز، على أن تقول هذه الشهادات أننا نسير في الطريق الصحيح، فإذا كان هذا الأمر صحيحًا فلماذ سقط نظم مبارك؟، فما يحدث تكرار لأخطاء الماضي، والسؤال المهم هنا: من يدفع فاتورة الإصلاح؟، فما يتم هو نفس التفكير القديم ويتم تحميل الخسائر للطبقة الوسطى والأكثر فقرًا بينما يتم تدليل الطبقات الغنية، ورجال الأعمال الذين يحصلون على كل ما يريدون.


وماذا عن الشعب في ظل هذه الإصلاحات والسياسات؟

الشعب المصري مستعد للتضحية والتحمل إذا رأى أملًا في نهاية المطاف، وإذا وجد عدالة في توزيع الأعباء، رئيس الوزراء قال لي إنه موافق على تطبيق الضرائب التصاعدية، ولكن السؤال ما يمنع حتى الآن فرض هذه الضرائب، وما الذي يمنع وضع تسعيرة جبرية لمنع انفلات الأسعار؟ كما أنه لابد من وجود رقابة حقيقية على الأسواق.


كما أن هناك خللا في الأولويات؛ هل الأفضل إصلاح مستشفيات أم بناء منتجعات؟، الأفضل الاهتمام بالتعليم أم العاصمة الإدارية الجديدة؟.. ونحن أمام مشكلة أخرى هي المياه، بسبب سد النهضة.


وكيف ترى التصريحات الاستفزازية من قبل الحكومة بالمطالبة بزيادة رواتب الوزراء؟

هناك استضعاف للشعب المصرى، واستهتار من قبل الدولة، فإذا كنت تطالبه بتحمل الجانب الأكبر من الإصلاح الاقتصادي، فلابد أن تكون الحكومة القدوة في «التقشف»، وتحمل التكاليف، ولكن عندما يكون العكس هو ارتفاع رواتب عاملين في مؤسسات بعينها، ويتم الخفض، وفرض ضرائب إضافية على عاملين مستحقين، فهذا خلل للمعايير.


تحدثت عن خرائط رسمت وستنفذ في 2017.. ما هذه الخرائط.. وهل هناك دور لترامب في وضعها؟

نحن أمام «سايكس - بيكو» جديدة، الأولى رسمت بالورقة والقلم فى وزارات الاستعمار البريطانية، ولكن في هذه المرة ترسيم الحدود سيعتمد على القوة، وحيث يتمركز السلاح، والحقائق على الأرض، وأول خريطة محتملة انتزاع دولة للأكراد في سوريا، تدمج بعد مرحلة ما مع الدولة الكردية فى العراق، فهناك تغول على الأراضي العراقية، وهذا المشروع بدعم أمريكي، ومن يقاوم هذا المشروع ليس العرب، ولكن إيران، وتركيا التي ثلث سكانها أكراد، وهذه نسبة كبيرة، ما سيؤدي إلى انهيار تركيا وتقزيمها.


كما أن نتائج ما بعد تحرير الموصل من داعش، قد تؤسس إلى صراعات مذهبية، وهذا الجزء من شمال بغداد يتم فيه طرح الدولة السنية، ومع دمج إسرائيل إلى العرب، فليس من المستبعد أن يكون هناك نزوح أعداد كبيرة من فلسطين عن طريق التهجير بالقوة إلى الموصل، وضمهم إلى الدولة السنية، أو الوطن البديل لهم في السيناريو الخاص بالأردن، أو غزة مع شمال سيناء، فكل هذا مطروح، ولذلك فتح المجال العام وعدم التخلي عن تيران وصنافير، وعدم الانجراف فى تحالفات عسكرية، والتأكيد على ضرورة مساندة الحرب على الإرهاب في سيناء، يحتاج إلى رؤية شاملة، واتفاقيات وطنية واسعة.


ما أفضل فترات الحكم التي مرت بها مصر؟

فترة «مرسي» كانت أقرب إلى «كابوس»، والحقيقة أنه صعد إلى رئاسة الجمهورية بالوسائل الديمقراطية، ولكنه اعتبر هذا تفويضًا كاملًا للاستيلاء على كل الدولة، وبناء دولة أخرى دينية، فكان الهدف الحقيقي في حكمه، تقويض الدولة الحديثة في مصر، وهذه فترة وعدت.


الفترة التالية، أيضًا لم تكن وردية ولا صحية ولا جديرة بما جرى في «30 يونيو»، ولكنها في النهاية مرحلة و«هتعدي»، بمعنى أن مصر سيكون لديها فرصة على التصحيح والتصويب، وأعتقد أنه في نهاية المطاف، ثورة يناير ستنتصر، وسوف نصل إلى دولة مدنية حديثة، فثورات الشعوب من الممكن أن تحدث لها «انتكاسة»، ولكنها لا تموت.