رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

استفتاء نسائي في المترو

مترو الأنفاق
مترو الأنفاق

نادرا ما أستقل مترو الأنفاق .. عادة من يستخدمه مشواره بعيد، وأنا لا أحبذ المسافات البعيدة .. انتهت علاقتى به بعد أن عدت من الخليج عام 1990 .. جربته مرة أو اثنتين وكان قد مضى على افتتاحه 3 سنوات .. دشنه شيراك ومبارك 1987 .. تولت شركة فرنسية تشغيله وصيانته .. كان مثل عروسة يوم زفافها .. بضعة سنوات وزحفت تجاعيد الإهمال وغياب الصيانة والاستخدام السيء وصار مثل امرآة هدها شغل البيت وصراخ الصبية وزعيق زوجها .. فربطت رأسها بمنديل وصارت تلتهم أدوية ومسكنات بلا نتيجة.

 

من ثم زادت قبحا خاصة بعد أن تركتها الشركة الفرنسية التى تتولى تجميلها أى من تقوم بصيانة المترو باعتباره سيدة كانت جميلة .. وأصبحت قذى للعين .. نهايته .. 27 عاما انقطاع عن المترو .. توليت رئاسة تحرير جريدتين ثم جلست بعد يناير 2011 في منزلي أتأمل أحوال البلاد والعباد.



المرأة المصرية لم تعد ترضيها الدموع ولا النهنهة ولا السهوكة

هذا الأسبوع اضطررت للجوء لمترو الأنفاق لأن هناك واجب عزاء لصديق عزيز فى المرج التى لم أذهب إليها قط .. لن ينفع الـ جى . بى . إس بالسيارة .. ولن اطمئن للقيادة فى مجاهل لا أعرفها .. الجميع نصحونا – أنا وشلة أصدقاء – بالذهاب والعودة بالمترو .. وقد كان .. غير أن حوارا قد دار  بالمترو عكس حالة مصر الآن.

 

الجميع أدلى بدلوه فى مسألة زيادة سعر تذكرة المترو 2 جنيه .. الحوار يجعلك ترصد عدة ظواهر .. أهمها أن الجنيه الذى ضاعف ثمن التذكرة ليس أمراً هينا كما تصورت وغيرى خصوصا وأن كافة وسائل المواصلات الشعبية كالميكروباص والسرفيس والتوك توك رفعت أسعارها.

 

ولدي توضيح بسيط فى البداية سمعته من أستاذ اقتصاد قبل فترة حيث قال لى أن المواطن فى أى دولة بالعالم إذا كان "زبونا" لدى الدولة تبيع له الخدمات وترفع الأسعار، فاعلم أن هذه الدولة سيلحقها شيئان .. إما أن تفلس .. أو أن يعجز المواطن عن تلبية طلبات الحكومة النهمة فيثور .. وكلا الحالتين خطر جسيم.

 

أعود للحوار وأرصد أن السيدات كن أكثر تبرما وتذمرا من الرجال .. القيادة تراهن على المرأة المصرية الصابرة القوية القادرة وهى كذلك .. لكن من شاهدتهن فى المترو كن ساخطات .. مقتطفات من كلامهن يعكس حالة إحباط ربما لا يشعر بها المسئولون .. إحداهن  تبكى قائلة مرتبى أنا وزوجى يكاد يكفينا عيش حاف ومواصلات .. وعاجلتها أخرى قائلة يارتنى مت ولم أنزل الانتخابات .. وقبل أن يتهمنى أحد أننى أنتمى للإخوان أو أشيع مناخ التشاؤم وأثبط الهمم .. أقول أن هذا مجرد رصد لشكاوى رجال وسيدات لا علاقة لهم بالسياسة .. ولكنها صادرة من مصريين ومصريات يصارعون من أجل حياة بلقيمات معدودة  لأولادهم وبناتهم .. السيدات أيضا تبرمن أن الزحام جعلنهن يجلسن فى عربات مختلطة مع الرجال.

 

رجل كبير فى السن تدخل بحسن نية ليبرر رفع تذكرة المترو آملا أن تؤدى إلى تحسين الخدمة وسرعة التقاطر وانتشال هذا المرفق الهام من التردى الذى لحق به .. لكنه للأسف لم يدرك أنه داس على لغم انفجر فيه حيث تطوع شاب يبدو من ملابسه أنه عامل باليومية ورد عليه قائلا يا أستاذ .. الحكاية مش تذكرة .. أكلة الكشرى لى ولمراتى وعيلين بـ40 جنيه وكيلو الفلفل بـ10 جنية .. الطماطم بـ8 جنيه والقلقاس بـ10 جنيه .. والله العظيم بطلنا ناكل لحمة إلا إذا أهدانا أحد المقتدرين 3 كيلو فى العيد .. وكأوركسترا سيمفونى ارتفع فى عربة المترو صوت واحد "حسبنا الله ونعم الوكيل".

 

سيدة قالت أنها تعمل مدرسة إعدادى أكدت أن الحكومة تضغط على الغلابة بقسوة وتركت الأغنياء ينعمون .. أين الحد الأقصى للأجور والضرائب التصاعدية .. ما دار فى المترو جعلنى أخشى من حواء المصرية .. هذه المرة لن يأتى الخطر من شباب عاطل أو متطلع للحرية والعيش والعدالة الاجتماعية أو رافض للفساد والتوريث .. الغضب هذه  المرة قادم من النساء .. هن المحرك الأول للابن والابنة ولكل جيل الشباب .. لابد أن يرصد علماء الاجتماع التغيير الذى حدث للمرأة المصرية .. اللاتى رقصن وزغردن وقضين ليالى فى الشوارع يوم 30 يونيو و3 يوليو وغيرها .. تغيرت بوصلة قلوبهن من الحب للاستياء وهى المرحلة التى تسبق الغضب والانفجار .. على أيه حال اجتهدوا حتى ترضى المرأة المصرية .. لم تعد ترضيها الدموع ولا النهنهة ولا السهوكة.


البرلمان الذي فشل في الحصول على علاوة للموظفين وافق على أضعافها للجيش والشرطة وا

وللأسف أشعلت سيدة أخرى النيران ووضعت ملحا فى جروح زميلاتها عندما قالت أريد من التى ذهبت لانتخابات البرلمان واختارت هؤلاء النواب أن ترفع يدها .. وبطيبة قلب رفعت حوالى ست سيدات أيديهن .. فإذا بالسيدة التى بدا من كلامها وصوتها الحاد أنها على قدر عال من التعليم والثقافة حيث قالت أنتن سبب البلاء .. انتخبتن برلمانا أعفى نفسه من الضرائب وفرضها علينا ثم ضاعف أجوره أكثر من الضعفين بدون أى مناسبة وهو الذى مرر اتفاقيات صندوق النقد وتعويم الجنيه ويهدد بحبس الصحفيين وينتقم من خصومه السياسيين.

 

هذا البرلمان هو نفسه الذى فشل فى الحصول على علاوة اجتماعية للموظفين مقدارها 10 % فقط بينما وافق على أضعاف أضعافها للجيش والشرطة والقضاء .. يركبون سيارات بالملايين ونحن "ننحشر" مع الرجال فى عربة واحدة .. وكأنها ألقت عن كاهلها حملا ثقيلا .. وأراد أحد الرجال تخفيف التوتر والانفعال فقال لها "أنت بمائة رجل وقلتى ما يعجز كثيرون منا عنه حرصا على لقمة العيش" .. ابتسمت بشحوب قائلة "يا عم الحاج .. يعنى حننقص رغيف .. مش مهم يا سيدى" !