رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

شعب لا يستحق الثورة !

ريهام حماد
ريهام حماد


كثيرا ما أرى البعض يتشدق: "هذا شعب لا يستحق التضحية أو الثورة من أجله... شعب جاهل، بعد أن ضحينا بالدماء والأرواح من أجل تحسين أوضاعه عاد مرة أخرى ليؤيد الطغاة، ولم ينتفض مؤخرا ضدهم إلا من أجل لقمة عيشه، وحين اطمأن لتوفرها صمت واستكان، في حين أنه لم يثر من أجل دماء إخواننا أو من أجل أعمارهم الضائعة في المعتقلات".



ورغم أن هذه المقولة مردود عليها بدايةً، بأن الشعب الذي ينعتونه بالاستكانة والجهل هو ذات الشعب الذي ثار منذ سنوات معدودة في ثورة مشهودة أذهلت العالم، وكانت لقمة العيش على رأس شعاراتها، وصيحات "ميادين تحريرها" من دون استهجان من أحد ممن ينعتون الشعب بالجهل والدونية لانتفاضته الأخيرة من أجل الخبز.



لكن دعنا نطرح هذه الحقيقة جانبا الآن، ولنتخيل أن هذا الشعب لم يثر مسبقا، ولنفترض أنه جاهل ومغيب حقا، ودعنا نفكك المقولة التي يرددها البعض في حقه.


 

إن الادعاء بأن الشعب المصري شعب جاهل، وأن الشعوب الجاهلة لا تستحق التضحية من أجلها هو ادعاء يفتقر إلى فهم إشكالية الاستبداد بشكل واضح، ذلك أن البلاد التي لم تعد الإصلاحات الجزئية، تجدي معها، والتي تحتاج إلى حلول جذرية، وثورة تخلع النظام الحاكم من جذوره كي تستقيم أوضاعها، هي بالضرورة بلاد حُكمت طويلا عن طريق أنظمة مستبدة مستقرة لا سبيل إلى استقرارها أصلا إلا عن طريق تجهيل الشعب وتغييب وعيه بشكل تدريجي وعلى مدى سنين طويلة، بحيث يتسنى لها قلب الحقائق وتمرير الأكاذيب، لتبرير الفشل ووضع ورقة التوت على سوءة الخيبات الثقيلة.



وبالتالي فالاعتقاد بأن الشعوب الجاهلة أو المغيبة لا تستحق الثورة أصلا هو اعتقاد فيه مصادرة على المطلوب، والانقياد وراء مثل هذا الاعتقاد يؤدي بالضرورة إلى أن تظل الشعوب محكومة بنفس الأنظمة التي تتعمد تجهيلها إلى الأبد!



إن الادعاء بأن هذا الشعب لا تعجبك عقليته، وبالتالي لن تثور من أجله، هو ادعاء بائس ومضحك ويفترض قدرتك على إزاحة النظام دون مساندة الشعب.


كيف تصف الشعب بالجهل وتقرر معاقبته بحرمانه مما لا تملك إنجازه وحدك أصلا؟ وهل تتوقع أن يساندك الشعب مستقبلا بعد أن وصمته بالجهل والأنانية وعدم التبصر؟


وكيف تحتكر الانتساب إلى أرواح الشهداء فتزعم أن الدماء التي أريقت هي دماء رفاقك "أنت وحدك" وليست دماء الشعب الذي لا تتورع عن قذفه وشتمه وهجائه وصب اللعنات عليه؟


ألا يحق بذات المنطق للشعب توجيه أصابع الاتهام لشباب الثورة وللنخب السياسية واتهامهم بأنهم هم من أضاعوا تضحيات الشعب هباء حين استدعوا الحكم العسكري من جديد؟


ادعاؤك بأن الشعب أناني ولا يستحق الثورة لا يختلف كثيرا عن المقولة الشهيرة للراحل عمر سليمان، حيثما قرر أن المصريين غير جاهزين للديمقراطية بعد، وهي المقولة التي أشبعها الثوار وقتها سخرية ونقدا، إذن فيم كان نقدك وسخريتك وأنت تردد الآن ذات المقولة تقريبا؟


لقد تساءل أحد الأصدقاء في مرارة، بعد انتفاضة الشعب الأخيرة نتيجة لقرار وزير التموين بتخفيض حصة الخبز لمستحقي الدعم، تساءل قائلا: ولم يجب علينا أن ندعم الناس في انتفاضتهم هذه ونحن نعلم أنهم سيستمرون في تأييدهم للطاغية؟ هل ندعم من يسجننا ويقتلنا دون تمييز؟


والحقيقة أن تصور أن دعمنا للشعب في حقه في التعبير عن مطالبه هو دعم مشروط بأن يتفق معنا الشعب في توجهنا السياسي هو تصور أناني وخاطئ.


نحن ندعم حق الشعب في التعبير عن رأيه ونيل مطالبه وفي حقه في اعتناق توجهه السياسي أيا كان هذا التوجه، وإلا أصبحنا وجها آخر للسلطة المستبدة المقيتة، وحينها سيسقط عنا غطاؤنا الأخلاقي في نقد هذه السلطة، وسيصبح الحاكم المستبد هو الأحق والأجدر بالحكم من معارضته، كونهما متساويان أخلاقيا، وكون المستبد يتفوق على معارضته من حيث معرفته بخبايا ودهاليز "الدولة العميقة" التي تحكم مصر منذ عشرات السنين!


فلنتواضع جميعا ولنتعلم معا من تجاربنا ومن أخطائنا السابقة دون توجيه أصابع الاتهام لأحد، ودون ممارسة حيل نفسية كل هدفها هو تحسين شعورنا تجاه أنفسنا، دون أي مردود حقيقي. فوطننا يستحق منا جميعا ما هو أعظم.


نقلا عن «مصر العربية»