رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

نهاية مبارك

خالد داود
خالد داود


لاحقتني الأسئلة هذا الأسبوع بشأن رد فعلي على حكم البراءة النهائي الذي صدر بحق الرئيس المخلوع مبارك، والذي لا يراودني أي شك أنه لو ذهب أحد وهمس في أذنه أنه كان يعيش في كابوس طويل منذ ست سنوات وأنه ما زال رئيسا، لتخلى عن دور الكهن والمسكنة الذي يتمسك به منذ خلعه، ولقفز من سريره فورا، ولوح لنا بيده ليؤكد مجددا أنه متمسك بالبقاء في منصبه حتى آخر عرق ينبض وحتى آخر نفس، ولتنطلق الموسيقى والاحتفالات بعد ذلك على أنغام "اخترناك" و"نعم. نعم"، ويا دار ما دخلك شر.


مبارك بالنسبة لي لا يفرق كثيرا عن رئيس زيمبابوي روبرت موجابي الذي أقام احتفالات رسمية الأسبوع الماضي بمناسبة بلوغه الثالثة والتسعين قدم خلالها للمدعوين لحم الفيل والجاموس والظباء، وقالب حلوى كبير يزن 92 كيلو غرامًا بتكلفة إجمالية مليون دولار تقريبا.



والأدهى أن السيدة زوجة موجابي، والمرشحة لخلافته بعد عمر طويل، صرحت للصحفيين أنه مصمم على خوض جولة جديدة من الانتخابات - الاستفتاءات الرئاسية في 2018. وأضافت أن هذه الانتخابات لن تتأثر لا بعمره ولا حتى بموته، لأن «جثته ستكون مرشحة على بطاقات التصويت، وسترون الناس يصوتون لجثة موغابي!». كما تعهدت الزوجة المخلصة بأنها ستقوم بنقله على كرسي متحرك خلال التجمعات الانتخابية إذا لزم الأمر.



ويبدو أن الصحافة الأجنبية كانت أكثر اهتماما واستغرابا من غياب ردود الأفعال على حكم براءة مبارك، وذلك لعدم إدراكهم غالبا أن أحد أكبر أخطاء ثورة 25 يناير أنها "سلمت القط مفتاح الكرار" وطلبنا من أعوان مبارك والمستفيدين من فساده على مدى ثلاثين عاما أن يحاكموه هو وعصابته العادلي وشركاءهم، وأن يقدموا بأنفسهم إلى المحكمة أدلة إدانة الأسرة الجملوكية، وإدانتهم شخصيا.



ولا ننسى في هذا الصدد الحكم التاريخي الذي أصدره المستشار أحمد رفعت الذي حكم على مبارك بالسجن 25 عاما لقتله الشهداء في ثورة يناير، شاكيا من أنه عانى الأمرين من مطالبة الأجهزة الأمنية والاستخباراتية لتقديم ما لديهم من أدلة تدين رئيسهم السابق، ولكن لا حياة لمن تنادي طبعا.



خدعونا بمقولة أن المحاكمة المدنية هي التي ستضمن سيادة القانون وتجعل دول العالم تعيد الأموال التي سرقها مبارك لمصر، ورفض بعض من يسمون أنفسهم بالحكماء تشكيل محاكم استثنائية لمحكمة مبارك وعصابته على جرائم لا يمكن للقانون الجنائي الحالي أن يثبتها.

هل ينكر أحد أن مبارك زور كل الانتخابات والاستفتاءات التي جرت في عهده؟ عمليا لا يوجد أي شك في ذلك، ولا يوجد أي شك أنه شخصيا كان راضيا قانعا مؤيدا داعما لهذا التزوير المنتظم لأن هذا يخدم أمن مصر القومي حسب اعتقاده هو ومن حوله من اللصوص. ولكن في المحكمة الجنائية الاعتيادية لا بد أن نقدم دليلا ماديا يوضح أن مبارك هو الذي أمر شخصيا بالتزوير، كأن أن نقدم وثيقة مكتوبة أو أمر رئاسي بالتزوير. وبالطبع لا يوجد رئيس مزور يكتب أمرا بالتزوير.



كما لا يوجد أي شك أيضا أن مبارك كان لص هو وأولاده والسيدة اميلدا ماركوس مصر، زوجته الهانم. وأنا هنا لا أصف مبارك باللص بناء على الحكم النهائي لمحكمة النقض الذي أدانه هو ونجلاه، جمال وعلاء، لأنهم سرقوا أموالا عامة لكي يأثثوا ويزيدوا من الرفاهيات في قصورهم ومنتجعاتهم، ولكن أتحدث عن ما قاله النائب العام السويسري من أنهم جمدوا لمبارك وأسرته وعدد محدود من أفراد عصابته 430 مليون يورو في حسابات سرية، أي نحو ثمانية مليارات جنيه حضراتكم بعد التعويم.



هل توجد أوراق نقدمها لمحكمة الجنايات أو الاستئناف أو النقض تؤكد أن هذه أموال تم الحصول عليها عن طريق السرقة؟ طبعا لا. اللصوص الكبار لا يقومون بتوقيع أوراق السرقة، بل يأتون بصغار يسرقون باسمهم ويفتحون لهم حسابات وهمية في بنوك سويسرا ولندن ودبي والجزر - الدول التي لا يسمع عنها أحد في المحيط الهادي والأطلنطي والتي هي عبارة عن بنوك للمهربين والفاسدين من الحكام وتجار المخدرات.



ولكن من المؤكد أن أي عقل ومنطق سيدرك أن هذه أموال منهوبة من قوت الشعب المصري الفقير، إلا إذا صدقنا أن اللص المدان جمال مبارك كان ألمعي زمانه وكسب من عرق جبينه وبسبب شطارته الموروثة من جينات والده كل هذه المليارات. وهذه المليارات في سويسرا هي جزء يسير مما لا نعلمه وما خفي كان أعظم طبعا.



ولو راجعنا المكالمة التي أذاعها البرنامج غير المسؤول بين الدكتور محمد البرادعي ورئيس الأركان السابق سامي عنان، لوجدنا أن الأهم فيها ليس كلام الدكتور البرادعي، بل رؤية السيد عنان للثورة وفهمه لها. إذ إن سيادته في تلك المكالمة كان يدافع عن بقاء أحمد شفيق في منصبه بعد أسبوعين أو أقل تقريبا من الإطاحة بمبارك إثر ثورة شعبية كان أحد هتافاتها "ارحل يعني امشي، يلي ما بتفهمش".



فالمجلس الأعلى للقوات المسلحة لم يكن يؤيد لا ثورة ولا يحزنون، كان فقط يريد خروج مبارك ونجله من الصورة، والسماح لهم بالسيطرة على زمام الأمور، ولكن بلا فضائح تلوث رفيق السلاح السابق، أو بالطبع تلوثهم هم شخصيا بحكم أنهم كانوا جميعا رفاق مخلصون للسيد المخلوع على مدى ثلاثين عاما، وذلك عملا بمنطق "داري على شمعتك تقيد".



لن ننسى الشهداء الذين قتلهم مبارك والعادلي في ثورة يناير. هؤلاء هم الذين ندين لهم بكل أنواع الاعتذار، وسنستمر نطالب بحقوقهم والقصاص ممن قتلهم.


أما غالبية المصريين، فلقد أصدروا حكمهم النهائي على مبارك موجابي يوم 11 فبراير، وأصبح طيا منسيا مهما قالت المحاكم بناء على أدلة واهية قدمها لهم أصحاب الكرار.


نقلا عن «مصر العربية»