رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

مصير سجناء «تيران وصنافير»

عماد جاد - أرشيفية
عماد جاد - أرشيفية


من بين أهم سمات الدولة المدنية الحديثة أنها دولة قانون وتسود فيها قيمة العدل أيضاً، وعندما نتحدث عن دولة القانون نعنى بها الدولة التى يكون فيها القانون سائداً على الجميع، لا انتقائية فى تطبيق القانون ولا استثناء من حكم القانون، أما دولة العدل فنعنى بها المساواة بين المواطنين فى الحقوق الواجبات من ناحية واتباع قواعد القانون وروحه أيضاً. 


نقول ذلك بمناسبة ما جرى ويجرى تجاه قطاع من الشباب المصرى الذى خرج فى مظاهرات احتجاجاً على اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع المملكة العربية السعودية، والتى بموجبها تم الإعلان عن سيادة المملكة على الجزيرتين. 


فقد تم إلقاء القبض على مئات من الشباب المصرى الذى تظاهر حاملاً أعلام بلاده مدافعاً عما يعتقد من مصرية الجزيرتين، ولا جدال فى أن الشباب الذى تظاهر قد خالف قانون التظاهر ووجبت محاسبته، صحيح أن مواد القانون تتسم بالقسوة الشديدة، لكنه قانون وطالما صدر ونشر بالجريدة الرسمية فلا بدَّ من احترامه وتطبيقه إلى أن يتم تعديله بالطرق الشرعية، صحيح أيضاً أن القانون صدر عن السلطة التنفيذية فى غيبة البرلمان، إلا أنه صدر بطريقة شرعية ودستورية، ولكن دولة القانون تقول إن القانون قاعدة عامة مجردة لا يستهدف أشخاصاً محددين ولا ينطبق فقط على اتجاه فكرى وسياسى دون آخر، يطبق على الجميع دون استثناء، وهو ما لم يحدث فى هذه الحالة، إذ استهدف القانون المعارضين لاتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع المملكة العربية السعودية، وقد خرجت مظاهرات مقابلة أو مضادة دون تصريح وبالمخالفة لقانون التظاهر، بعضها تم ترتيبه من قِبل الأجهزة الأمنية للرد على المظاهرات المعارضة، وبعضها خرج حاملاً أعلام المملكة العربية السعودية، مدافعاً عن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية ومؤيداً لسعودية الجزيرتين، لم يتم القبض على أى متظاهر من المؤيدين، وهو ما يعد انتهاكاً صارخاً لدولة القانون.


أيضاً وفى الوقت الذى تأخذ فه محاكمة المجرمين والبلطجية من أتباع جماعة الإخوان والقتلة شهوراً وسنوات، صدرت الأحكام سريعاً بحق أكثر من خمسمائة شاب مصرى من الذين تم القبض عليهم فى مظاهرات يوم الأرض فى الخامس والعشرين من أبريل 2016، فى أقل من ثلاثة أسابيع صدرت الأحكام بالسجن لمدد وصلت إلى خمس سنوات مع غرامة مائة ألف جنيه، وهى أحكام شديدة القسوة على شباب مصرى وطنى مخلص، كل جريمته أنه اندفع بحماس للدفاع عن جزء من أرض الوطن، حسب اعتقاده، شباب مصرى رفع علم بلاده، لا أتحدث هنا عن الاشتراكيين الثوريين أو المجموعات التى لها ارتباطات خارجية استغلت ما جرى لتصفية حسابات مع النظام، أتحدث فقط عن شباب مصرى وطنى حر محب لبلاده غيور على ترابه الوطنى، خرج للتعبير عن رأيه، صحيح أنه خالف قانون التظاهر، لكن تطبيق روح القانون مقدم على نصوصه الصماء، ولنضرب مثلاً على ذلك بحكم محكمة إيطالية ببراءة عجوز من تهمة سرقة طعام من أحد المحل التجارية، وقال القاضى فى تبرير حكمه إن «سرقة الطعام من أجل البقاء على قيد الحياة ليس بجريمة، فحق الحياة مقدم على ما عداه من حقوق»، هكذا تكون روح القانون، صحيح أن الشباب خالف قانون التظاهر، لكن الصحيح أيضاً أنه لم يقتل، لم يحرق، لم يعتدِ على منشآت، دولة العدل وروح القانون كانت تقتضى مراعاة ظروف هذا الشباب ومستقبله الدراسى والوظيفى، وبما أن ذلك لم يحدث فإننا نتوجه للسيد الرئيس عبدالفتاح السيسى الذى ينادى على الدوام بضرورة الاهتمام بالشباب أن يتعامل مع هؤلاء الشباب بروح العدل والقانون، ويستخدم صلاحياته الدستورية، ويفرج عن هؤلاء الشباب وغيرهم المحبوسين فى تهم مشابهة، وليكن ذلك أولى خطوات مرحلة جديدة فى التعامل مع الشباب، تنهض على الاستيعاب والاحتواء بروح العدل والقانون.

نقلًا عن «الوطن»