رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

وزير الصدفة.. حقيقة وليست خيالًا

عباس الطرابيلي
عباس الطرابيلي

ولأننا مازلنا فى قصص وروايات التعديل الوزارى.. تعالوا نرو حقيقة وزير الصدفة، التى أعادنا إليها الكاتب غير التقليدى «نيوتن» فى «المصرى اليوم» منذ أيام.. وبالمناسبة عرفت الصحافة كُتَّاباً آخرين، كانوا يوقعون كتاباتهم بأسماء مستعارة، فى مقدمتهم: محمد التابعى، ومصطفى أمين، وإحسان عبدالقدوس وغيرهم.. ويمكن أن نعود إليها بالتفصيل، فى مقال خاص بهم.

 

والبعض يرى أن حكاية وزير الصدفة مجرد خيال.. ثم ترسخت عندما حولها المبدع وحيد حامد إلى فيلم حمل اسم «معالى الوزير».. ولكن التاريخ يحمل لنا العديد ممن حملوا اسم «وزير الصدفة» فى مراحل عديدة من حياتنا السياسية، منذ جاء نوبار باشا «الأرمنى» كأول رئيس للوزراء فى مصر، تحت اسم «ناظر النظار» يوم 28 أغسطس 1879، بتكليف من الخديو إسماعيل، وبالمناسبة كانت الحكومة يومها من 4 أشخاص فقط لا غير وليس من 34 وزيراً.. ودون أى «خبث» من المتابعين نسأل: ترى، من هو وزير الصدفة فى الحكومة الحالية أو فى تعديلها؟! حتى نتعلل اليوم فنروى حكاية أشهر وزير صدفة فى تاريخنا السياسى.

 

الحكاية ببساطة عرفتها لأول مرة من كتاب أصدره على بك أمين فى مارس 1953 من سلسلة «كتاب اليوم» الذى كانت تصدره دار أخبار اليوم وكان عنوانه «هكذا تُحكم مصر!» وألمح إليها أحمد بهاء الدين فى كتابه الشهير «فاروق ملكاً» الصادر فى أغسطس 1952.. وأيضاً جلال الدين الحمامصى فى كتابه الرائع «معركة نزاهة الحكم» الصادر عام 1957، ولكن تلميحاً دون تصريح، ثم سمعتها كاملة من عميدنا، عميد الصحافة المصرية والعربية حتى ولو كره الهيكليون والدراويش، مصطفى أمين، وبالتفاصيل فى عام 1959 عندما كان يجتمع بالصحفيين - أبناء أخبار اليوم - صباح كل يوم الجمعة.. فما هى حكاية وزير الصدفة؟!

 

وبعيداً عن آراء مصطفى بك وعلى بك أمين عن حزب الوفد أيامها.. وما قيل عن تحاملهما - ومعهما كل صحف دار أخبار اليوم - ولكنها للأسف قصة حقيقية.. واقعية.. وعندى كل وقائعها.

 

ففى آخر انتخابات برلمانية - قبل يوليو 1952 - اكتسح حزب الوفد الانتخابات وفاز بـ228 مقعداً من مجموع مقاعد مجلس النواب وعددها 319، وحصل المستقلون على 30 مقعداً، والحزب السعدى على 28 مقعداً، وحزب الأحرار الدستوريين على 26 مقعداً، والحزب الوطنى «القديم» على 6 مقاعد، والحزب الاشتراكى على مقعد واحد.. وكلف الملك فاروق، مصطفى النحاس باشا، رئيس الوفد، بتشكيل الحكومة الجديدة - وهى الوزارة النحاسية السابعة - ودارت عملية تشكيل الحكومة.. ويروى على بك أمين أسرار هذا التشكيل، وكيف تم.. قال - وهو ما أكده لنا بنفسه مصطفى بك أمين - قال على أمين إن حسين سرى باشا - وكان ينتظر قرار تعيينه رئيساً للديوان الملكى - قال للنحاس باشا: هناك اعتراض على إسناد منصب وزير التموين إلى محمود سليمان غنام، لأن التموين وزارة خطيرة، ويجب أن يتفرغ لها وزير، لا أن تُضم لوزارة التجارة والصناعة، وهنا قال النحاس باشا: أنا معنديش حد.. عندك اقتراح.. فرد حسين سرى: من رأيى أن تختار مستشاراً ليستمر فى التحقيقات الخطيرة التى بدأها محمد على راتب باشا.. وتوقع سرى باشا أن النحاس سيقترح اختيار راتب باشا لأن فؤاد سراج الدين اتصل به أثناء تحقيقات التموين وأخبره بأن النحاس باشا قرر تعيينه وزيراً للتموين فى الوزارة المقبلة.. بل وتوقع ذلك بعض الوفديين حتى إن راتب باشا زار، ومعه قرينته، كامل مرسى باشا فى فندق سميراميس، وأبلغه أن سراج الدين اتصل به قبيل التشكيل بأيام، وعرض عليه وزارة التموين. وهذه الواقعة رواها لى فؤاد باشا بنفسه فى غرفة نومه ونحن نصدر جريدة الوفد الأسبوعية.. وهكذا توقع الوزراء أن يقترح النحاس اسم راتب باشا.

 

وهنا - ووسط هذه الحيرة - صاح النحاس باشا: آه افتكرت، فيه واحد مستشار كويس اسمه فرحات. أنا فاكر شكله. بس ناسى اسمه بالكامل فرحات اللى كان قاضى فى إسكندرية وله حكم عظيم فى قضايا المظاهرات، فرد عبدالفتاح الطويل باشا: مرسى فرحات.. فقال النحاس: تمام.. مرسى فرحات. روح اطلبه يا فؤاد فى التليفون، واعرض عليه الوزارة.. ونفذ فؤاد باشا الطلب.. ووافق مرسى على «التموين» فطلب منه فؤاد باشا أن يكون فى قصر القبة الساعة العاشرة مساءً.. ليحلف اليمين مع الوزراء.

 

** وقبل العاشرة دخل النحاس باشا القاعة، فرأى بين الوزراء شخصاً غريباً لا يعرفه، فسأل: مين ده؟ فقيل لرفعته: ده مرسى فرحات وزير التموين. فرد النحاس: أبداً. موش هو ده.. ده واحد تانى.. وقيل لرفعته: ولكنك يا باشا كتبت اسمه فى المرسوم ولم تبق إلا دقائق لتتشرفوا بمقابلة الملك.

 

** واستسلم رفعته للأمر الواقع.. وتشرف الوزراء بمقابلة الملك.. وعند خروجهم صاح النحاس باشا.. افتكرته.. افتكرته.. اسمه قطب فرحات.. موش مرسى فرحات. ولكن هذا التذكر جاء بعد فوات الأوان. وبقى قطب فرحات بك مستشاراً. وأصبح مرسى فرحات وزيراً للتموين وحلف اليمين الدستورية أمام الملك فاروق مساء يوم 12 يناير 1950.. وظل وزيراً حتى أقال الملك الحكومة كلها فجر يوم 27 يناير 1952.

 

ترى.. من هو وزير الصدفة فى حكومة شريف إسماعيل؟!

نقلًا عن جريدة المصري اليوم