رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

يناير يجمعنا.. أو يفرقنا!

عبد الرحمن يوسف
عبد الرحمن يوسف

كل شيء في الحياة وجهان، وإرادة الإنسان تعطي للشيء معناه، فيصبح خيرا أو شرا.. غالبية الأشياء محايدة، قابلة للاستخدام في الخير والشر..

 

أعضاء جسدك أيها الإنسان محايدة، بإمكانك أن تكدح بها في الرزق، وأن تعمل بها الخير، وقد تقترف بها الشرور والآثام، " فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا".

 

حملة (يناير يجمعنا) عمل طيب، محاولة لجمع شمل المصريين الشرفاء، وشرفاء المصريين اليوم يعانون بسبب هذا النظام المستبد الذي يقهر المواطن، ويرهن الوطن ومقدراته لعشرات السنين.

 

لكن شرفاء الوطن اليوم في حيص بيص، يضربون أخماسا بأسداس، في فتنة تدع الحليم حيرانا، يشمت بعضهم في بعض، يجتهد الواحد فيهم في نزع كل الخطايا عن نفسه وجماعته، وفي إلصاق كل الشرور بالآخرين.

 

*             *             *

 

يناير يجمعنا.. لو أردنا!

 

ولو أردنا أن يجمعنا يناير، سنتذكر كيف كنا يدا واحدة ضد الظلم والاستبداد، رغم خلافاتنا الدينية والمذهبية والأيديولوجية.

 

كنا في الميدان يدا واحدة، ولم يُبَدِّلْ أحد دينه، ولم يُغَيِّرْ شخص مذهبه، ولم يتنازل فصيل عن أيديولوجيته وأفكاره، بل اتفقت سائر (أو غالبية) الأديان والمذاهب والأيديولوجيات (وأتباعها بالضرورة) على أن تخليص مصر من مبارك ونظامه أمر لا بد منه.

 

*             *             *

 

يناير يفرقنا.. لو أردنا!

 

وفي هذه الحالة، سنتذكر كيف خان هذا الفصيل الثورة والثوار وتحالف مع العسكر، وكيف باع هؤلاء أولئك، وفي كل مناسبة من كل عام نسترجع ذلك، ونشعل ذكريات الكره، وننكأ الجراح، ونتفنن في تعميق الخلاف بدلا من بناء الجسور، ونبذل الغالي والنفيس لكي نتذكر كل خطايا الأمس وكأنها حدثت اليوم، والغريب أن من يذكرك بذلك هو فصيل آخر قام بالأفعال نفسها في وقت آخر !

 

*             *             *

 

ترى الشماتة من الجانبين.. إذا اعتقل شخص من هنا، أو أفرج عن شخص من هناك.. تراهم يقولون (من أعان ظالما سلطه الله عليه)!

 

المضحك في الأمر، أن الجميع قد أعان هذا الظالم، وأن الظالم مسلط على الجميع بلا تفرقة بين مظلوم ومظلوم.. حتى إن المقولة السابقة أصبحت تضحكني أيا كان قائلها، ولولا حقارة السياق الذي تقال فيه.. لأفردت لها نصا كوميديا ساخرا.

 

مصيبتنا -بعد عمى البصيرة- التحيز الفكري الفارغ الأهوج الأرعن، فترى الجموع تناقش أمورا تافهة في لحظة تاريخية فارقة، لا يستفيد منها سوى النظام المستبد، في وقت لا مجال فيه لسفاسف الأمور.

 

يحاول الغارق في الاستقطاب أن يثبت أن شهداءنا في الجنة، وقتلاهم في النار، فتنشب معركة كبرى بين فريقين، وبندقية القاتل تضحك ملء فيها، وتحصد مزيدا من الأرواح.

 

يحاول بعضنا أن يثبت أن معتقليه خير من معتقلي الفصيل الآخر، وزنزانة "سيسي" تسحق الجميع بلا تفرقة، وتخرجهم -إن أخرجتهم- جثثا هامدة، أو بقايا بشر، أو حطام إنسان.

 

*             *             *

 

كل هذه الترهات لا تمنعنا من احترام الأسئلة المنطقية التي يطرحها البعض، وهي تتمحور حول (مع من نصطف؟ وما ضوابط الاصطفاف؟).

 

وهو سؤال عظيم.. وليت كل الأسئلة التي تطرح بهذا العمق!

 

والإجابة إن دعوة الاصطفاف الثوري تنادي باصطفاف أهل الحق مع أهل الحق، من أجل نصرة الحق.

 

سيقول كثيرون ممن لم يصلهم معنى الاصطفاف إنها دعوة مشبوهة، هدفها خلط أهل الحق بأهل الباطل، ولا بد من تنقية الصف.

 

والحقيقة أن تنقية الصف واجبة، ولكننا بشر، ولو طبقنا ما يريده هؤلاء على الرسول محمد صلى الله عليه وسلم لما قاتل إلى جواره صحابي واحد، فكما كانت المدينة موطن المهاجرين والأنصار، كانت كذلك موطن المشركين والمنافقين!

 

قد نتفق أو نختلف على الأشخاص، وعلى من يمكن أن يُقبَلَ ضمن الصف الثوري ومن لا يُمكن، وليتنا نتفق على ضوابط لرفض أو قبول الراغبين في الاصطفاف، بدلا من ترك ذلك للأهواء، وليتنا نعلم قبل ذلك أننا جميعا أخطأنا، وأن كل من يستبعد بلا ضوابط أو منطق.. فإنما يستبعد نفسه أولا.

 

وكلما استطاعت الجبهة المقاومة للانقلاب من استقطاب طيف واسع ومؤثر من المصريين سيقصر الطريق لزوال الغمة.

 

*             *             *

 

تحية لحملة (يناير يجمعنا)، وتحية لكل الذين انضموا لها وصبروا على اختلافاتهم، وتحملوا تباين الآراء داخل الصف الثوري، وتعالوا على النزاعات والصغائر، ووضعوا نصب أعينهم حاجة الشعب المصري إلى مشروع ثوري قد تكون بدايته أن يتآلف المختلفون في حملة، حتى لو كانت حملة مؤقتة.

 

أما الذين يقذفون كل مجتهد بحجارتهم، فإننا نقول لهم ولأتباعهم.. لقد مضت سنوات منذ انقلاب 2013، ولم يتحقق عشر معشار ما وعدتم به الناس، وأصبح واضحا لكل ذي عقل أنه لن يتحقق أي انتصار أو تغيير إلا بتوحد طيف واسع من المصريين على هدف مشترك، والهدف المشترك الذي يمكن الاصطفاف حوله هو إسقاط هذه العصابة الحاكمة، وإنصاف المصريين المُهمشين.. أي أهداف ثورة يناير (عيش، حرية، كرامة إنسانية، عدالة اجتماعية).

 

*             *             *

 

كلمة حق: توحد ثوار مصر حول خروج أحمد ماهر مؤسس حركة السادس من إبريل من سجنه، واستنكر الجميع محاولات إبقائه في السجن، ومحاولات إذلاله بعد الإفراج عنه.. وكذلك استنكر الجميع تلك المعاملة الإجرامية لشيخ الإخوان ومرشدهم الفاضل الأستاذ محمد مهدي عاكف، ووقف الجميع ضد هذا القتل المنظم لشيخ في التسعين من عمره لم يركع فيها إلا لله.

 

إن جميع الأصوات التي اصطادت في الماء العكر (في الموضوعين) ألجمتها حكمة العقلاء حجرا!

 

تحية لحملة (يناير يجمعنا)، لأنها أصدرت بيانا يتعلق بخروج المناضل أحمد ماهر، وأصدرت بيانا عن الأستاذ عاكف حفظه الله.

 

بهذا المنهج.. من الممكن أن يجمعنا يناير، أما بالمنهج الآخر.. فلن يزيدنا شهر يناير إلا تفرقا وكراهية.

 

عاشت مصر للمصريين وبالمصريين..

نقلًا عن موقع هافتغتون بوست عربي