رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

الفساد فى بر مصر

عماد جاد
عماد جاد

ض مصر منذ آلاف السنين لعملية نهب منظم لثرواتها وخيراتها، فمن سلة غذاء الإمبراطورية الرومانية إلى إنقاذ الجزيرة العربية من المجاعات، إلى نهب ثرواتها وكنوزها وتراثها وعمالتها الماهرة على يد الاحتلال العثمانى البغيض وصولاً إلى عملية النهب المنظم من خلال منظومة الفساد المستشرى فى كافة قطاعات ومؤسسات الدولة المصرية. تعرضت مصر طوال تاريخها، وتحديداً مع بدء فترات الضعف، للاحتلال المتواصل من قبل قوة أجنبية، وكان النهب يتم من قبل أجنبى لمصلحة بلاده وأهله، وهو النهب الذى أضعف كثيراً من قدرات الدولة المصرية ونهب ثرواتها وخيراتها بل وكنوزها الأثرية، لكن الأخطر فى تقديرى هو الفساد المنظم الضارب بجذوره فى أعماق مؤسسات الدولة المصرية وأجهزتها المختلفة، بحيث صار الفساد منظومة متكاملة ومترابطة. وفى تقديرى أن الفساد موجود فى كافة التجمعات البشرية والمجتمعات الإنسانية، ويختلف من مجتمع إلى آخر حسب معدلات انتشاره وقوة مقاومته، فكلما ضعفت قوة المقاومة، زاد الانتشار وضرب بجذوره فى أعماق المؤسسات والهيئات، وأحسب أن منظومة الفساد استشرت فى البلاد بعد حركة الجيش فى يوليو ١٩٥٢ ووأد التجربة الديمقراطية التى بدأت عقب دستور ١٩٢٣، ووضع بنية القطاع العام، ثم تقديم أهل الثقة على أهل الخبرة، وهيكل المرتبات والأجور الذى كان يسمح بمكافآت تمثل عشرات أضعاف الرواتب، إضافة إلى توزيع المناصب على الأقارب والمحاسيب وضرب الهيئات الرقابية وتصاعد دور الأمن وتغلبه على ما عداه من أدوار. استمر التدهور الشامل فى كافة القطاعات والمؤسسات وكان التحول إلى سياسة الانفتاح عام ١٩٧٤ فى عهد السادات بمثابة تسليم البلد للفسدة والفاسدين، وتغلغل الفساد فى كافة القطاعات والمؤسسات، وبدء عملية نهب ثروات البلاد من خلال ظهور رجال أعمال دخلوا فى علاقات مع مؤسسات الدولة وتمت خلالها عملية نهب منظم لثروات البلاد، وجاءت سياسة الخصخصة، أو بيع القطاع العام للقطاع الخاص لتشهد أكبر عملية نهب لثروات البلاد، فقد تم بيع الشركات والمصانع والهيئات العامة التى أنشئت بأموال الشعب، بأثمان بخسة لمصلحة عدد من رجال الأعمال الذين وجهوا جزءًا من المدفوعات لصالح الشخصيات المشرفة على عملية البيع وكان الدفع يتم عبر فتح حسابات بنكية خارج البلاد. وطوال هذه المرحلة كان هناك غطاء سياسى للفساد عبر انخراط عدد من رموز النظام وأسر المسئولين فى عمليات الفساد من ناحية وتصريحات القيادة السياسية التى عادة ما تتراوح بين التأكيد على أن الفساد ظاهرة إنسانية موجودة فى كافة المجتمعات أو أن الحديث عن الفساد مبالغ فيه بشكل كبير.

 

وطوال الوقت كان هناك الفساد الأعظم والخطر الأكبر وهو فساد البيروقراطية الذى يضيع على الدولة مليارات الجنيهات سنوياً نتيجة التضحية بحقوق الدولة مقابل رشاوى مالية وعينية، وفساد البيروقراطية المصرية يفوق نظيره فى أى مكان آخر، فالفساد يبدأ من رأس النظام إلى أصغر موظفى الدولة، يبدأ من المسئول الأول كما كان حال السادات ومبارك ويصل إلى أصغر مسئول، لا يستثنى قطاعاً واحداً من قطاعات الدولة المصرية، فالفساد قابع فى عمق مؤسسات القضاء، الشرطة والبيروقراطية، هناك من يتغاضى عن حقوق الدولة مقابل رشوة مالية أو عينية وربما جنسية، وهناك من يعرقل مشروعات الدولة فى أمس الحاجة لها لأنه لم يحصل على رشوة، وهناك من يفرط فى حقوق الدولة مقابل رشوة.. وحتى يومنا هذا الفساد منتشر ومستشرٍ فى مؤسسات الدولة وبيروقراطيتها، صحيح أن الرئيس يبذل جهداً كبيراً ويتحدث على الدوام عن مواجهة الفساد، إلا أن الحرب الحقيقية على الفساد لم تبدأ بعد، فالحرب على الفساد لا بد أن تكون مؤسسية، بمعنى تغليظ العقوبات فى التشريعات من ناحية، وإطلاق يد الجهات الرقابية فى العمل لتطهير مؤسسات الدولة المصرية وبيروقراطيتها بشكل كامل.

 

مصر تتعرض للنهب من آلاف السنين وآن أوان بدء معركة حقيقية لوقف هذا النهب المتمثل حاليا فى الفساد المستشرى داخل مؤسسات الدولة وبيروقراطيتها، وإذا تم ذلك فسوف تكتفى مصر ذاتياً ولن تحتاج إلى مساعدات أو قروض بكل ما تفرضه عملية الحصول عليها من تنازلات!!!!!!

نقلًا عن جريدة الوطن