رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

لماذا لم نبكِ مع الرئيس؟!

خالد داوود
خالد داوود


"لا يبك الرجال" هي من أكثر المقولات سخافة على الإطلاق. فالبكاء شعور إنساني، ولا يوجد إنسان لا ينتابه البكاء، رجل أو امرأة، في مواجهة مواقف ما لا يستطيع معها أن يتمالك دموعه. ولكن عندما بكى الرئيس عبد الفتاح السيسي مؤخرا عند حضوره احتفال لافتتاح مشروع استراتيجي، ردا على هتاف أحد الحضور "بنحبك يا ريس"، لا اعتقد أن مشاعر الكثير من المواطنين تحركت معه تعاطفا، ربما للمرة الأولى على الإطلاق منذ أن تولى منصبه.

ربما تكون الهموم قد كثرت على الرئيس مع إحساسه بالتحديات العديدة التي يواجهها داخليا وخارجيا، وربما يكون قد انتابه شعور أنه لا يلقى ما يكفي من التقدير للجهود التي يبذلها، والمشروعات القومية الضخمة التي يفتتحها، والقرارات الحاسمة التي لم يتخذها أحد من قبله من نمط تخفيض قيمة عملتنا الوطنية بنحو مائة في المائة تقريبا أمام الدولار، وهو ما اعتبره محافظ البنك المركزي المغوار طارق عامر قرارا يماثل في أهميته قرار الرئيس السادات بشن حرب أكتوبر 1973 وعبور قناة السويس التي استشهد فيها المئات من جنودنا الأبطال.

 

ومنذ أن أعلن الرئيس نيته للترشح في مطلع العام 2014، ربما كانت طريقته العاطفية في مخاطبة الجماهير هي أكثر من العوامل التي زادت من شعبيته بين العديد من الفئات والطبقات. والجميع يتذكر مقولات الرئيس الشهيرة في مخاطبة الشعب من نمط "انتم ما تعرفوش انكم نور عينينا ولا إيه" و"انا بحبكم اوي" و "عايز اعملكم كل حاجة حلوة"، وهي كلها كلمات تنم عن شخصية مخلصة في حبها لعملها وللشعب المصري المعروف بعاطفيته ودموعه القريبة.

 

ولكن على ما يبدو أن الشعب المصري نفسه الذي انتخب السيسي بأغلبية كبيرة لم يعد تجد معه الكلمات العاطفية وحسب. فالواقع المرير الذي يعيشه غالبية المصريين على الأرض، مع موجة غلاء غير مسبوقة ولا معهودة، هو ما يدفعهم فعلا للبكاء بحرارة تفوق بكثير دموع الرئيس المخلصة. وبعد وعود عديدة بالرخاء وتحسن الأوضاع خلال عامين من تولي الرئيس لمنصبه، تراجعت هذه الوعود بل وتم استبدالها بجمل التقريع والاتهام بالكسل والمطالبة بالتقشف وشد الحزام وتحمل الصعاب حتى نعبر هذه المرحلة الصعبة.

 

كما أن غالبية المواطنين لم يعد لديهم القدرة أصلا على متابعة خطب الرئيس ومداخلاته الارتجالية العديدة وذلك لأنهم مشغولون بالاصطفاف طوابير طويلة في الشوارع للحصول على كيلو سكر من هناك أو هناك بأسعار مضاعفة، في عودة غير متوقعة مطلقا لمشاهد كنا نظنها قد اختفت من مصر منذ عقود. فأنا أنتمي لجيل تعّود الاصطفاف في طوابير للحصول على السكر والزيت والفراخ والصابون والسجائر المحلية، وهو ما انتهى تقريبا بحلول بداية التسعينات من القرن الماضي، واعتبر الجميع ذلك مؤشرا جيدا على نهضة حقيقية في الاقتصاد المصري والابتعاد عن نموذج الاقتصاد المركزي الذي كانت تسيطر فيه الحكومة على توزيع كافة أنواع البضائع الأساسية، سواء بسبب التوجه الفكري للنظام أو لأننا نعيش بالفعل في حالة حرب في مواجهة العدو الإسرائيلي.

 

انتهت الحرب ضد إسرائيل منذ توقيع اتفاق السلام عام 1979، والتي بررها الرئيس السادات في ذلك الوقت بحاجة الشعب المصري إلى التمتع بالرخاء. كما أن علاقتنا مع العدو الإسرائيلي لم تكن أكثر دفئا مما هي عليه الآن، والتي بلغت درجة أننا تعاطفنا للغاية مع حكومة العنصري الصهيوني بنيامين نتنياهو ولم نرد الاشتراك في مؤامرة الرئيس الأمريكي الملعون باراك أوباما ضده قبل خروجه من البيت الأبيض عن طريق تمرير قرار في مجلس الأمن يدين بشكل قاطع الاستيطان في الضفة الغربية والقدس المحتلتين. ولكن لم تحقق معاهدة كامب ديفيد الرخاء الموعود، وانتهت وعود الرئيس السيسي بتحسن الأوضاع خلال عامين بعودة الطوابير للحصول على البضائع الأساسية والأدوية الشحيحة. لم يحنو أحد على هذا الشعب المظلوم الصابر في يوم من الأيام.

 

سيصرخ سريعا المدافعون عن الرئيس السيسي في جميع الأحوال، سواء تنازل عن تيران وصنافير أو تراجع عن قراره بعد تدهور العلاقات مع المملكة السعودية أو قام برفض تعويم الجنيه ثم قبل تعويم الجنيه، سيصرخون ولكنها الحرب ضد الإرهاب يا رجل، إنقاذ مصر من مصير سوريا والعراق وليبيا واليمن، كلها أمور تستوجب التحمل وشد الحزام والاكتفاء بشرب المياه فقط لسنوات.

 

ولكن المشكلة الحقيقية التي تجعل الشعب لا يقتنع أن هذه الحرب ضد الإرهاب سبب كاف لازدياد المعاناة وتراجع مستوى المعيشة وعودة الطوابير، هي أن الرئيس وحكومته لا يتصرفان مطلقا بنفس هذه الدرجة من التقشف، ويصمم الرئيس على الاستمرار في مشروع العاصمة الإدارية الجديدة وافتتاح مطار ومدينة رياضية شاهقة، والمشاريع السياحية الفاخرة وشراء الأسلحة باهظة الثمن. لو أن جزءا فقط من كل هذه الأموال والديون تم توجيهه للتخفيف من آثار كل هذه الإجراءات الاقتصادية على المواطنين، لبكينا مع الرئيس.

 

تعاطف الرئيس ودموعه وحديثه العاطفي لم يعد يقنع أحدا، وغالبية المصريين لا يفهمون كيف أنهم ثاروا على الإخوان أملا في أن يستعيد الاقتصاد قوته وتتحسن أوضاعهم ولو قليلا، فيفاجئون أن سعر الدولار قد تضاعف عدة مرات من سبعة جنيهات حتى عشرون جنيها خلال ثلاثة أعوام، واختفت البضائع وزادت الضرائب وتراجع الدعم. الشيء الوحيد الذي لا يزيد أبدا هو مرتباتهم ودخولهم التي انخفضت، إن لم تكن قد انهارت، قوتها الشرائية.

المواطن الذي يبحث لابنه أو والديه عن دواء نادر، أو يفشل في تلبية المتطلبات الأساسية لأسرته، ويضطر لنقل أبناءه لمدارس أقل تكلفة لكي يتمكن من توفير الطعام، هو الذي يبكي بصدق وبحرقة وبصمت كل يوم، وكلام الرئيس العاطفي ودعواته للصبر بات تأثيرها سلبيا ولا تؤدي سوى للمزيد من الضيق وربما الانفجار.

نقلًا عن موقع مصر العربية