رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

كى لا تغضب مصر

طارق فهمي
طارق فهمي

تنبرى من آن لآخر بعض الأقلام للهجوم غير المباشر على مصر، وإظهار مصر وكأنها تسعى لقيادة وريادة المنطقة وهى غير أهل لهذا، فى وقت يربط البعض بين هدف التوجه المصرى نحو القيادة العربية، وبين الهروب من الواقع الراهن فى ظل تحليلات وتفسيرات وتقييمات خاطئة تكشف عن عقدة مصر لدى الكثيرين من الذين تعلموا واختبروا الحياة على أيدى المصريين الذى لم يمُنُّوا على أحد ومع ذلك يذكرنا البعض بما آلت إليه الأوضاع فى مصر....

 

أحدد بعض النقاط على الحروف...

1 ــ مصر ليست دولة عابرة فى الإقليم أو فى العالم، بل هى ــ لمن يعلم ــ دولة محورية وتحتل مساحة كبيرة فى الاستراتيجيات الدولية وليست مجرد نقطة على الخريطة أو مجرد دولة تابعة أو مريضة أو مغشى عليها لكى يتصارع على دورها من يظنون أن الدور والتوجه يمكن أن يعبر عنه قناة فضائية أو مصرف دولى. والواقع أن مصر أكبر من أن تدخل فى متاهات سياسية ومكايدات من أى نوع على الرغم من أن البعض يريد جر مصر والمصريين إلى معارك وهمية لا طائل من ورائها سواء بعرض فيلم تافه أو الانفتاح على دولة تناكف مصر أمنها القومى وتخطط للسطو على حقوقها الوطنية، على الرغم من أن مصر وحتى الوقت الراهن تلتزم بالمعايير والاتفاقيات فإن البعض تصور أن ملف الأمن المائى لمصر وجيرانها من دول الحوض بات فى يد الآخرين وأن مصر دولة ضعيفة وهذا غير صحيح، وغدا سيعلم المكايدون أن مصر أكبر من أن تخنق من سد أو يسطو على حقها دولة وما زال القرار المصرى يخطط له فى هدوء ولدى مصر بدائلها. وبرجاء ألا يتحدث البعض عن الخيارات الصعبة والواقعية لمن ظن أن مصر ستقف تتفرج عن الذين يناصبون مصر العداء ويتجاوزن كل خطوط الطيف، وغدا سيعلمون.

 

2 ــ لم تطلب مصر القيادة ولا الريادة، وفى المقابل طلبها وسعى إليها من ظن أن الدور يمكن أن تحدده أى وحدة سياسية من منطق اشتباكها مع العالم، فدبلوماسية الدولار لا يمكن أن ترسم سياسة أو تقيم توجها أو تضع للدولة مكانتها بين الأمم ومصر التى لم تتوقف أمام من أحبط فكرة القوة العربية المشتركة هى نفسها التى قبلت أن تدخل ضمن التحالف العربى لاستعادة الشرعية لأول مرة فى تاريخنا العسكرى وتحت قيادة جيش لم يحارب ولم يختبر من قبل ومع جيش دخل عشرات الحروب ومصنف دوليا بأنه ضمن أفضل جيوش العالم وفقا لتقسيم جلوبال فاير الأخير وتقرير راند الاستراتيجى وسيبرى، وبالتالى فإن مصر لم تطلب زعامة ولم تبحث عن قيادة لأن ــ ببساطة ــ حقائق التاريخ ومعطيات السياسة تؤكد أن الأمم الكبيرة مثل مصر لا تتوقف عند من حاول ويحاول خطف الدور المصرى.

3 ــ إن عقدة مصر من قبل بعض النخبويين العرب يجب أن تراجع ويعاد النظر فيما يكتبون ويرون ويتوقفون أمام قدرات مصر وإمكانيات مصر والتى هى ليست فقط قدرات المال والاقتصاد والاستثمار فقط بل هى قدرات حضارية بمعنى الكلمة والتى تضع مصر ــ ومصر وحدها ــ فى مصاف الأمم العظمى تاريخيا ودعوا ما يردده البعض من الكتاب العرب من مسلسل الانتكاسات، والواقع الذى يعيشه المصريون، فى الوقت الراهن على الرغم من التأكيدات الدولية الصادرة عن بيوت الخبرة الدولية أن مصر بلد واعد وأن مصر تمتلك كل المقومات للانطلاق، وأن الأمر فى حاجة لإرادة سياسية مباشرة ليس أكثر لكى تبدأ مسارها الاقتصادى الواضح والمتماسك.

4 ــ لم يكن مطلوبا من مصر أن تدخل الحرب بديلا عن أحد أو دعما لجيش فى أى مسرح عمليات، ولكن كان مطلوبا من مصر أن تدرب جيوشا عربية، وهو ما جرى ويجرى فى بعض الدول العربية الشقيقة كما كان مطلوبا من مصر ولاعتبارات أمنية وسياسية واستراتيجية، أن تقوم بمناورات مشتركة مع بعض الدول العربية ولم يقتصر الأمر على دول الأشقاء فى السعودية والإمارات وقطر والبحرين، بل امتد إلى الأردن أخيرا. والرسالة أن مصر ليس لديها أى حساسيات تجاه أى دولة عربية بالاسم، وأن مصر لا تبيع الأمن والاستراتيجية مقابل الاقتصاد والمساعدات، وهو ما لم يتفهمه البعض وظنوا أن رسائل الدعم الاقتصادى ستلغى القرار الوطنى أو تحول مصر إلى كيان هش ليس فيه قضاء عريق ونخبة قوية ومجتمع متماسك يمكن أن يتنازل أو يقدم شيكا على بياض لأحد.

 

***

5 ــ نعم لا مخرج للعالم العربى إلا بمصر القوية القادرة على لم الشمل وإجراء توافقات فى الإقليم وليس فقط إطفاء الحرائق كما يتصور البعض، ويرى أن القاهرة ستضع يدها فى يد الإدارة الأمريكية القادمة، وسيكون ذلك على حساب بعض الدول العربية وهذا تصور خاطئ ولا تفكر فيه القاهرة وليس معنى الترحيب الأمريكى من قبل إدارة ترامب بالتعامل مع مصر والأردن باعتبارهما حليفين مركزين أن تتوافق السياسات المصرية مع الولايات المتحدة فى سائر الملفات خاصة، وأن أغلب الدول العربية تعانى من أزمات حقيقية لا داعى للخوض فيها ولكن من الواضح أن الإدارة الأمريكية ستتبع مبدأ النفقة والتكلفة والعائد فى مجمل سياستها، وأن منطقة الخليج العربى لن تكون بمنأى عن توجهات أمريكية ستكون عاجلة وهو ما يدركه الجميع ويرتبون له عبر مؤسسات وشركات إعلامية فى الدوائر النافذة فى الولايات المتحدة والتى فشلت فى مواجهة ما جرى قبل وبعد إقرار قانون جاستا. أما إيران فإنها هى الأخرى لديها هواجسها من الرئيس ترامب وتزايد الضغوط الإسرائيلية لعرقلة تنفيذ الاتفاق النووى والضغط على الولايات المتحدة للخروج من الاتفاق أو تجميد دورها.

6 ــ نعم لمصر خطابها السياسى والإعلامى الواضح الذى يسلم بأركانه ملايين المصريين الذين ما زالوا يرون فى قيادتهم الأمل لبناء مصر الجديدة والتى لن تبنى إلا من خلال سواعد مصرية واعتمادا على قدرات وطن وأمة بحق وليست مجرد أمنيات وطموحات، لمن ظن أن عسكرة السياسة يمكن أن يكون حلا والدخول فى كل صراعات الإقليم مدخلا مهما ومطلوبا لبناء القيادة والريادة الجديدة، وهو وهم عاجز وفاشل ولا معنى له؛ لأنه لا يرتكن لأسس أو بنى على استراتيجيات حقيقية، وإنما هى كلها اجتهادات صاغها مسئولون أجانب لا علاقة لهم بالداخل الوطنى، ومن ثم فإن الحديث عن استراتيجيات لآجال بعيدة ليست حلا فى ظل صراعات وتراكمات يعلمها الجميع ولا يريد أن يتحدث عنها أحد اكتفاء بالصورة الراهنة، وفى مقابل قدرة مصر المنيعة ومناعتها الوطنية التى جعلتها تتماسك وتستمر وتؤدى دورها الحضارى والقيادى، وفى ظل نخبة وطنية تتفق وتختلف، ولكنها فى النهاية تبنى حوائط صد ضد كل من يتجاسر على مصر أو شعبها أو قيادتها وتؤكد فى كل الملمات أن مصر كبيرة بحق، وحينما تختار سياستها وتوجهاتها فإنها تمارس السياسة جهارا نهارا وليس من خلف الكواليس أو من خلال لقاءات توصف بأنها غير رسمية مع دولة مفترض أنها العدو الصهيونى.

7 ــ لا نريد أن نخلط الأمور ونضع إسرائيل فى مصاف إيران ولكن لابد من الإشارة إلى أن الخطر واحد من هذه الدولة وتلك، ولكن مصر لم تستأنف علاقاتها مع إيران حتى الآن على الرغم من مطالبة قطاع عريض من النخبة السياسية المصرية بذلك وظلت العلاقات فى إطارها وهو ما عبر عنه وزير الخارجية المصرى سامح شكرى أخيرا فى حوار المنامة الاستراتيجى، والرسالة أن مصر ليست فى دائرة الاختيار بين الأشقاء وبين غيرهم. وتبقى الدول العربية والخليجية فى قلب دائرة صنع السياسات الوطنية المصرية وأن الأمن القومى المصرى يتكامل مع متطلبات الأمن القومى الخليجى وأن مصر ستدافع عن أمن الخليج إذا تطلب الأمر تدخلا مصريا محسوبا، ولن أضع الأشقاء جنبا إلى جنب إسرائيل فى مناصبة إيران العداء والتوجس والمخاوف غير المعلنة على الرغم من كل ما يجرى ويشير لتقارب فى هذا الإطار حيث تتحدث لغة المصالح وليست الأيدويولوجيات التاريخية.

***

قولا واحدا لا تزال مصر تمد يدها إلى كل الأشقاء ولا تبحث عن دور ولا تريد أن تكايد أحدا ولا تناصب أحد العداء فأخلاقيات هذا الشعب وتوجهات قيادته الوطنية تدفع بضرورة البحث عن القواسم المشتركة التى تجمع لا أن تفرق توحد لا تقسم.

نقلًا عن جريدة الشروق