رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

مصر والسعودية أين الاتفاق؟ أين الاختلاف؟ (١)

عبد اللطيف المناوي
عبد اللطيف المناوي

 

لستُ من المتشنجين فى معالجة الأمور، وظللت دوماً من الداعين إلى الحفاظ على قنوات اتصال دائمة حتى مع مَن يناصبنا العداء. ولكن فى الوقت ذاته أؤمن بأن الوضوح والصراحة فى طرح نقاط الخلاف هما الأسلوب الأصح والأكثر تأثيراً فى معالجة العلاقات بشكل عام، الدولية على وجه الخصوص. لأن هذا الوضوح يسمح بمعرفة دقيقة لحدود الاتفاق والاختلاف، وهنا يمكن العمل على تعميق مناطق الاتفاق وتقسيم الأدوار فى مناطق الاختلاف. تقبيل اللحى والإنكار والاحتماء بعبارات عتيقة لم تعد تحمل معناها، كل هذا لا يؤدى إلى نتائج حقيقية.

تحدثت، وتحدث غيرى، سابقاً عن العلاقات المصرية- السعودية وما تمر به من فجوة هذه المرحلة، وأحد الدلائل التى سيقت للتدليل على الأزمة مشروع اللقاء الذى لم يتم بين الرئيس والملك، وعلى الرغم من الاتهامات واللمز بأن الإعلام هو من اخترع هذا اللقاء إلا أن ما يمكننى تأكيده أن هذا «الاختراع» امتلك بالفعل عناصر حقيقية.

 

لستُ مع من يحمل العصا ويضرب «كرسى فى الكلوب» على طريقة فتوات السينما، ولذلك أتحفظ كثيراً على أى تجاوز على الطرفين تجاه الآخر، سواء يمس هذا التجاوز القيادات السياسية أو الشخصيات العامة أو الشعوب وثقافتها أو التاريخ. هذا الأسلوب ليس فيه من الحكمة شىء، وهو يشكل خطرًا حقيقيًا على علاقات هى تاريخية ومستمرة بحكم التاريخ والجغرافيا والمصلحة وطبيعة الشعوب وثقافتها. لذلك أظن، بل أؤمن، بأن السماح بهذا الأسلوب ليس فى مصلحة أى من البلدين، وبالتالى مواجهة مثل هذا الأسلوب هو واجب من الطرفين.

 

ما أؤمن به هو إدارة الخلاف بين البلدين ويكون الهدف هو تعظيم الاستفادة وتوسيع منطقة الاتفاق، وفى نفس الوقت حصار مناطق الاختلاف وتقليل الأضرار الناجمة عنها.

 

أولى خطوات إدارة الخلاف هو تحديد نقاط الخلاف بصراحة، وهنا يمكن الإشارة إلى بعض هذه النقاط، وكما ذكرت من قبل يقف على رأسها موضوع الجزيرتين. ودون الخوض فى تفاصيل هذا الموضوع كثيراً، ومع الإشارة إلى أن هذا الموضوع لم يكن ليصبح أزمة لو اختار صانع القرار السعودى توقيتاً مختلفاً يراعى فيه ثقافة الشعوب والوضع العام فى مصر ، خاصة أن الموضوع لم يكن شديد الإلحاح لو أن كل ذلك كان قد حدث ما وصلنا إلى أن تتحول المسألة إلى أزمة بين البلدين. وَلَن أناقش هنا موضوع ملكية الجزيرتين، فهذا ليس هو الموضوع الآن، ولكن على البلدين إيجاد وسيلة للتعاطى مع هذا الموقف يتم فيه التأكيد على قواعد القانون الدولى واحترام ثقافة الشعوب واحترام الالتزامات المتبادلة وأيضاً احترام قواعد كل دولة فى إدارة شؤونها، بما فيها من مسألة النظام القضائى والتشريعى. المطلوب هنا إدارة عاقلة هادئة من كلا الطرفين تترجم بحق ما يتردد كلما حدثت أزمة عن أخوية العلاقة وحتميتها و«تطابق» وجهات النظر.

 

وفِى إطار الإشارة إلى مسألة تطابق وجهات النظر يأتى الحديث عن موضوع الخلاف الثانى وهو الوضع فى سوريا. وهنا أشير إلى أن موقف مصر من الوضع فى سوريا لم يتغير منذ اليوم الأول لإسقاط الإخوان. يمكننى التأكيد أن تقدير مصر لخطورة سقوط النظام الحالى فى سوريا سوف يفتح الباب واسعًا لسيطرة الجماعات المتطرفة على سوريا، وهذا وضع ضد الأمن العربى بمفهومه العام، وضد الأمن القومى المصرى وضد الأمن القومى الخليجى بمجمله من وجهة النظر المصرية. وبالتالى فإن الموقف المصرى ثابت فى رؤيته منذ اللحظة الأولى، قد تكون التطورات الأخيرة هى من ركزت الضوء عليه بشكل مختلف، وقد يكون أسلوب مصر فى التعبير عن مواقفها وقراراتها لم يكن الأمثل فى الوصول إلى الأطراف الأخرى بوضوح ينفى اللبس، ولكن الأكيد أنه موقف منطلق من قاعدة ثابتة وليس موجهًا ضد دولة أو حلف. وبالتالى فإن اختلاف الرؤى عنا بين البلدين واضح، وكان المفترض أن تبحث الدولتان عن الأسلوب الأمثل لإدارة هذا الاختلاف. هناك اتفاق بين البلدين على أهمية الحفاظ على سوريا موحدة، ولكن الأساليب تختلف، ولا يجب السماح لهذا الاختلاف بأن يتطور ليشكل أزمة. أشير هنا إلى أن روسيا وأمريكا تنظمان حركة الطيران المقاتل فى سماء المنطقة بينهما حتى لا يحدث صدام (!!)

 

لايزال للموضوع بقية...

نقلًا عن جريدة المصري اليوم