رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

توقف العمليات الجراحية بسبب العجز في «البنج».. تقرير

غرفة عمليات جراحية
غرفة عمليات جراحية - أرشيفية

أنفاس أرهقها المرض، وعيون زائغة بفعل الألم، يقف طفل لم يتجاوز 7 سنوات، منتظرا على أعتاب مستشفى أبو الريش بالقاهرة، يدا حانية لتربت على جروحه، وتزيل متاعبه.
 
وضمن طابور طويل، وقف "محمد"، على أمل أن يتمكن من إجراء عملية جراحية، تنقذه قبل فوات الآوان، لكن الأزمة الحقيقية أن هذا الطفل لم يكن في انتظار دوره لدخول غرفة العمليات فقط، لكنه كان أيضا في انتظار أدوية لا يمكن إجراء الجراحة دونها، وهي أدوية التخدير وتحديدا عقار "بروبوفون"، فضلا عن أدوية الاستفاقة، بعد العمليات، وبين ضغط الألم، وخطورة استعمال أنواع بديلة من العقاقير يمكنها أن تتسبب في مضاعفات خطيرة، استسلم محمد للحيرة، لا يدري ماذا يمكن أن يحدث. 

على أبواب ذلك المستشفى ذي الطوابق الـ6، افترش الأهالي القادمين من كل حدب وصوب الأرض، متخذين من سور المستشفى مأوى لهم وبيتا، لعلهم يجدوا من يرق لحالهم في هذا البلد، فيتخذ قرارا ينهي أزمة العناد، وعدم الإحساس بالمسؤولية، التي بات موسؤولو الدولة غارقون في نعيمها، تاركين المستشفى يئن هو الآخر؛ جراء نقص أدوية التخدير المُستخدمة في إجراء العمليات الجراحية، مثل: "البروبوفول – البيوبيكفين - ثيوبنتال – كيتامين- هالوثين للاطفال" وأدوية الإفاقة "بروستجمين".

في الدور الأرضي للمستشفى، تتقدم شابة تعمل في صيدلية المستشفى الخالية، إلا من بعض أدوية البرد، والمسكنات لتقول: "لا يوجد ألبان للأطفال وهناك نقص في الألبومين، رغم وجود قسم كامل بالمستشفى يعاني من سوء التغذية". 

وتضيف الصيدلانية، أن المستشفى يحتاج لدواء "هيموفلتر" وهو خاص بمن تُجرى لهم عمليات قلب ويبلغ سعره نحو 950 جنيهًا، كما يعاني المستشفى من نقص دواء "باتشه" وهو خاص بمن يعانون ثقب في القلب ويصل سعره لـ 5 آلاف جنيه، وصمامات المخ وهذه يحتاجها المرضى الذين يعانون من "مياه على المخ" ويبلغ سعر الصمام نحو 2500 جنيه. 

في الطابق الرابع من المستشفى وهو الخاص بمرضى الفشل الكلوي، يتجاور أطفال أرهقتهم وحدات الغسيل الكلوي بعد معاناتهم من نقص حاد من قوائم انتظار طويلة في المستشفى مقارنة بقدرته الاستيعابية المحدودة والإقبال الشديد من المرضى، إذ تضم قوائم الانتظار نحو 300 طفل في قسم رعاية جراحة القلب والصدر. وأحيانًا تطول تلك الجراحات لأشهر بسبب ضغط الأعداد والتكاليف. 

ويعد مستشفى أبو الريش الوحيد الذي يقدم خدمات طبية متخصصة للأطفال بجميع المحافظات من مختلف الأعمار سواء حديثي الولادة أو الأكبر سنًا بشكل "مجاني"، ويتردد عليه نحو 600 ألف طفل سنويًا في كل التخصصات بما فيها: أمراض القلب، والجراحة، والأورام، ورغم ذلك يعاني من نقص الأدوية، وعجزه عن إجراء العمليات الجراحية. 

كما يعاني المستشفى من ضعف ميزانيته المالية قياسًا على ميزانية جامعة القاهرة البالغة 2 مليار و268 مليون جنيه في "2015- 2016"، التابع له وفق المجلس الأعلى للجامعات، بالإضافة إلى عجزه عن تحديث أي مستلزمات أو غرف العمليات لمدة تقترب من الـ16 عامًا. 

ويرى الدكتور على عوف رئيس شعبة تجارة الأدوية، أن أزمة مستشفى أبو الريش ليست لها علاقة بأزمة انخفاض قيمة الجنيه أمام الدولار بعد تحرير سعر الصرف، خلال الأيام السابقة، مشيرًا إلى أن الأزمة بسبب عدم وجود موارد مالية بالمستشفى.

ويضيف أن شركات الأدوية توقفت عن التوريد للمستشفى بعد عجزه عن دفع ديونه البالغة نحو 10 ملايين جنيه، مشيرًا إلى ضرورة المحافظة على المستشفى العريق، مشيرًا إلى تبرع شعبة تجارة الأدوية بأموال وأدوية لصالح المستشفى، ولكن هذا لا يكفي، لافتًا إلى تبعية المستشفى للمجلس الأعلى للجامعات الذي لابد له من التدخل لإنقاذ الأطفال والمستشفى قبل فوات الأوان. 

وبحسب إحصائيات وزارة الصحة، فإن مستشفى أبو الريش يخدم نحو 2000 طفل يوميًا، فيما تبلغ قدرته الاستيعابية 450 سريرًا فقط، من بينهم 120 للرعاية المُركزة، ويخدم أبو الريش نحو 600 ألف طفل سنويًا. 

في السياق نفسه، يقول الدكتور معاذ عبد الناصر السكرتير العام للنقابة لأطباء الأسنان، إن السوق المصري يعاني أزمة بسبب نقص أدوية التخدير، مشيرًا إلى عدم اجتماع النقابة حتى حينه لمناقشة الأزمة، وبالتالي لم يتم اتخاذ أي قرارات بشأن الأزمة. 

ويضيف أن مأساة نقص أدوية البنج مأساة للمصريين، لافتًا إلى تحّمل المواطن تكلفته نتيجة قرارات الدولة ووزارة الصحة التي لم تفعل شيئًا حيال الأزمة. 

ويشير عبد الناصر إلى نقص نوعين من البنج المخدر الخاص بالعمليات بشكل عام والأسنان، الأول "موضعي" ويتم استخدامه من قبّل الكثير من الأطباء، وتبلغ قيمته نحو 175 جنيهًا وهذا لا توجد فيه أزمة، ولكن الأزمة في المستورد.