رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

«مهزلة» وفساد في معارض الآثار المصرية بالخارج.. 3 يورو عائد القطعة الآثرية يوميًا!

معرض آثار - أرشيفية
معرض آثار - أرشيفية

على الرغم من أهمية المعارض الخارجية للآثار، والدور الذي تلعبه في تنشيط السياحة التي تعتبر أحد أهم مصادر النقد الأجنبي للاقتصادي المصري، إلا أن هذه المعارض يشوبها العديد من المخالفات الجسيمة التى تمثل إهدارًا صارخًا للمال العام، وهو ما يجعل المعارض الخارجية للآثار مثيرة للجدل دئمًا ما بين تأييد مسئولى وزارة الآثار، التي اعتبروها المصدر الرئيسي للدخل في ظل تدهور السياحة، ورفض المهتمين بالشأن الأثري لها.

«النبأ» تكشف عبر السطور التالية عن مخالفات مالية وإدارية شابت عددًا من المعارض التي نظمتها وزارة الآثار خلال الفترة الماضية، من خلال مستندات حصلت عليه، وعلى الرغم من أن هذه التقارير عرضت على مسئولى الآثار بقيادة الدكتور ممدوح الدماطى وزير الآثار السابق إلا أن أحدًا لم يحرك ساكنًا تجاهها.

معرض "أسرار مصر الغارقة" والذي يستمر لمدة عامين ويقام حاليا بإنجلترا بعد أن غادر العاصمة الفرنسية باريس ثم سيتم نقله إلى ألمانيا يعد أحد أبرز المعارض الخارجية التى تمثل نموذجًا صارخًا لإهدار المال المال العام، حيث يضم المعرض 250 قطعة أثرية، تم اكتشافها جراء أعمال التنقيب الأثري تحت الماء فى منطقة أبو قير خلال الأعوام العشر الماضية، وبعض القطع الأثرية المعروضة تم اختيارها من عدة متاحف منها 18 قطعة من المتحف المصري و31 قطعة من متحف الإسكندرية القومي و22 قطعة من المتحف اليوناني الروماني إضافة إلى 15 قطعة من مقتنيات متحف آثار مكتبة الإسكندرية.

وحصلت "النبأ" على صورة ضوئية من العقد المبرم بين وزارة الآثار ومعهد العالم العربي في العاصمة الفرنسية باريس والمسئول عن تنظيم المعرض بفرنسا وانجلترا وألمانيا حيث تضمن العقد أن تكون القيمة المادية مقابل إقامة المعرض 600 الف يورو، وهذا ما أثار غضب قطاع كبير من الأثريين الذين رأوا أن المبلغ ضئيل جدًا ولا يعبر عن قيمة القطع المشاركة فى المعرض.

ونص العقد على أن يتم سداد القيمة النقدية للمعرض على ستة أقساط خلال مدة إقامة المعرض، على أن تكون قيمة كل قسط 100 ألف يورو الأول عند توقيع الاتفاقية، والثانى قبل افتتاح المعرض في باريس، ويسدد القسط الثالث بعد مرور شهرين من افتتاح المعرض في باريس، بينما يتم سداد القسط الرابع قبل أسبوع من افتتاح المعرض في المانيا، والخامس بعد مرور شهرين من افتتاح المعرض في المانيا، والسادس قبل أسبوع من افتتاح المعرض بانجلترا.

وحمل العقد الكثير من المفاجآت، من بينها القيمة التأمينية للمعرض التي بلغت 500 ألف يورو فقط عن فترة إقامة المعرض بعواصم فرنسا وانجلترا وألمانيا.

أما المفاجأة الأخرى في عقد الفضيحة - كما أطلق عليه عدد من الأثريين، أنه ينص على أن يحصل كل فرد من المرافقين للمعرض على 300 يورو يوميًا، وهذا يعنى أن العائد المادى للمرافقين للمعرض سيكون أضعاف العائد المادى الذي سيدخل خزانة وزارة الآثار والمقدر بنحو 3 يورو في اليوم للقطعة الأثرية الواحدة.

وكشفت التقارير التي حصلت عليها "النبأ" أن المسئولين خالفوا المادة 163 من قانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983 المعدل بالقانون رقم 3 لسنة 2010 والذى يمنع خروج الآثار النادرة إلى خارج البلاد حيث قام المسئولون باختيار تمثال "العجل أبيس لهادريان" والمسجل تحت رقم 351 وتمثال "الاله سيرابيس" والمسجل أثر تحت رقم 23352، والمصنفين ضمن القطع النادرة المحظور خروجها للمعارض الخارجية وذلك للمشاركة فى المعرض.

ويعد تمثال "العجل أبيس" تحفة أثرية نادرة حيث عثر عليه في السيرابيوم ويرجع للقرن الثاني الميلادي في عصر الإمبراطور هادريان وارتفاعه 1.90 متر، ويعتبر العجل من الحيوانات التى قدسها المصريون، وكانوا يرمزون به إلى القوة الجسدية والتفوق فى النسل، وحمل لقب العجول التي كانت تدفن في مقابر السرابيوم بسقارة، وتم العثور على تماثيل برونزية له ترجع للحكم الفارسي لمصر القديمة، وكان العجل يختار أبيض اللون به بقع سوداء بالجبهة والرقبة والظهر، ويعيش في الحظيرة المقدسة وسط بقراته، وعند موته كان الكهنة يدفنونه في جنازة رسمية، ثم يتوج عجل آخر كرمز روحي بالحظيرة المقدسة وسط احتفالية كبرى.

وأوضحت المستندات أن مسئولى وزارة الدولة لشئون الآثار ضربوا بتقارير عبير الصعيدى، أمينة العهدة، بالمتحف اليوناني والروماني والمسئولة عن تمثال العجل "أبيس لهادريان" وتمثال "الإله سيرابيس" عرض الحائط، حيث حذرت أمينة العهدة بالمتحف، من خروج تمثال العجل أبيس، بسبب سوء حالته بعد أن خضع للترميم بسبب تعرضه لكسر في القدم أثناء نقله من المتحف اليونانى والروماني فضلا عن أن خروج هذه القطعة النادرة مخالف لقانون حماية الآثار.

أما معرض "عصر بناة الأهرامات" المقام فى اليابان فقد حمل مخالفة جديدة في سجل ممدوح الدماطي، وزير الآثار السابق الذي وافق على خروج 120 قطعة أثرية من محتويات المتحف المصري حيث كشف العقد المبرم بين وزارة الآثار ودولة اليابان أن المعرض سيقام فى ثماني مدن يابانية وأن العائد المادى للمعرض يبلغ ملييونى دولار، يسدد على ثلاثة أقساط وهى قيمة ضئيلة لا تتناسب مع قيمة الآثار المعروضة.

وأوضحت المستندات أن "الدماطي" خالف قانون تنظيم المعارض الخارجية عندما وافق على زيادة مدة العرض في بعض المدن وتغيير بعض المدن وأماكن العرض دون زيادة القيمة المادية للمعرض والعرض على اللجنة الدائمة في ذلك الوقت، حيث كشفت المستندات أنه تمت زيادة مدة العرض في مدينة كيوتو بمتحف كيوتو في الفترة من 15/10/2016 وحتي 15/12/2016، لتصبح من 1102016 وحتي 25122016، وتغيرت مدينة اوكياما بمتحف اوكياما أورينت لتكون مدينة توياما بمتحف توياما الإقليمي في الفترة من 13/1/2017 وحتى 26/3/2017، وكذلك زيادة مدة العرض في مدينة شيزوكا بمتحف شيزوكا في الفترة من 15/4/2017وحتى 20/6/2017 ليصبح في الفترة من 8/4/2017 وحتى 25/6/2017، وتمت زيادة مدة العرض في مدينة فوكوكا بمتحف مدينة فوكوكا في الفترة من 15/7/2017 وحتى 15/9/2017 لتكون من 24/9/2017

أما معرض الآثار "الفرعون: الإنسان.. الملك الإله" والذي أقيم في بداية الألفية الثانية بالبحرين، فعلى الرغم من أن القيمة التأمينة بلغت 173 مليون دولار، إلا أنه عندما انتقل المعرض من المنامة بالبحرين إلي العاصمة الفرنسية تعرضت بعض القطع الأثرية للخدش بسبب سوء التغليف والنقل.

وتبين بالمعاينة ظهور خدوش أصابت بعض القطع الأثرية عند وصولها إلي فرنسا وطالب المجلس الأعلى للآثار في ذلك الوقت شركة التأمين بتعويضات بلغت 255 ألف دولار بسبب ما طال الآثار المصرية من تلف وخدوش بسبب الأهمال.

وفي بداية عام 2008 أقام المجلس الأعلى للآثار معرضًا بالولايات المتحدة الأمريكية، تحت عنوان "كليوباترا " والذي كان يضم 142 قطعة أثرية من مقتنيات الملكة "كليوباترا"، حيث تجاوز العائد المادي للمعرض لـ 7 ملايين دولار.

وفى 2012، صدر قرار من المحكمة بعودة معرض كليوباترا من أمريكا بعد أن ظل حوالى أربع أو خمس سنوات يعرض فى الخارج بناء على مذكرة لرئاسة الجمهورية برقم 16980، ولرئاسة مجلس الوزراء برقم 10867، جاء فيها أن محكمة القضاء الإدارى الدائرة الأولى أصدرت حكمها فى الدعوى رقم 14159 لسنة 66 ق ومنطوقه، وقضت بوقف تنفيذ قرار سفر 142 قطعة أثرية تخص الملكة كليوباترا وعودتها فورًا من أمريكا إلى مصر.

تستعد لجنة المعارض بوزارة الآثار لإقامة معرض بالصين، فى ظل تدعيم العلاقات الثقافية بين مصر والصين، على أن يستمر المعرض لمدة 15 شهرًا، شاملة مدة التغليف والشحن والعرض المتحفى.

ويضم المعرض 70 قطعة أثرية، على أن ينطلق فى عام 2017، تحت عنوان "الحب فى مصر القديمة"، حيث يبلغ العائد المادى من المعرض مليون دولار، بالإضافة إلى 5% من الدخل على تذاكر الدخول وذلك بعد 500 ألف زائر، كما تضمن العقد المبرم بين وزارة الآثار والجانب الصينى على أن تحصل الآثار على نسبة 10% من المبيعات على المستنسخات والكتب والكتالوجات والإكسسوارات، التى يتم بيعها من الجانب الصينى بجانب إقامة المتحف.

ومن ناحية أخرى ستتم إقامة معرض يضم نتائج حفائر البعثة التشيكية فى مصر خلال السنوات الماضية، حيث تم الاتفاق على إقامة المعرض في التشيك،عام 2017 ومن المقرر أن يضم نحو 70 قطعة أثرية من عصر الدولة القديمة.

وتم الاتفاق على أن يكون الربح من المعرض مناصفة بين الجانبين المصرى والتشيكى، بجانب منح 6 أثريين مصريين دورة تدريبية بالتشيك.

في سياق متصل قالت إلهام صلاح، رئيس قطاع المتاحف بوزارة الآثار، إن الوزارة تستعد خلال الفترة المقبلة لتنظيم عدد من المعارض الخارجية بهدف دعم الاقتصاد المصري وتعريف العالم بالثقافة المصرية وكذلك الجذب السياحة الأثرية باعتبار الحضارة المصرية القديمة أفضل سفير لنا بالخارج.

وأضافت أن مصر هى الدولة الوحيدة التي تطالب بقيمة مادية مقابل خروج القطع الأثرية كما أنه لم يتم خروج أكثر من معرض خلال الفترة الماضية بسبب التفاوض على الأسعار والتى تعتبرها الدول المستضيفة للمعارض مرتفعة، فى حين تتيح بعض الدول استعارة آثارها مجانا دون سداد أى قيمة مسبقة، والاكتفاء بالقيمة التأمينية فقط.

وأوضحت أن نسبة مشاركة وزارة الآثار فى المعارض الدولية خلال الخمسة أعوام الماضية أنخفضت بنحو %60، والتى كانت تساهم في دخل وزارة الآثار والتي تعتمد على التمويل الذاتى، مؤكدة أن قيمة الدخل الوارد للوزارة من معرض "عصر بناة الأهرام" يبلغ 2 مليون دولار على مدار عامين متتاليين ويضم المعرض 120 قطعة مشاركة أهمها مجموعة توت عنخ آمون أما معرض" للآثار الغارقة" والمقام حاليا في انجلترا ثم ينتقل الي سويسرا، فقد وصل إجمالى أرباحه حتى الآن نحو 920 ألف يورو، بزيادة يورو عن كل زائر حال تجاوز عدد الزوار 100 ألف شخص، ويضم نحو 250 قطعة من الآثار الغارقة فى فترات تاريخية مختلفة، وتبلغ فترة المعرض فى كل دولة 4 أشهر، بجانب شهرين إضافيين حال جذب أعداد أكبر من الزوار.

وأشارت رئيس قطاع المتاحف إلى أن تنظيم المعارض تم بالتنسيق مع مفوض فرنسى ينوب عن الدول الثلاث التى يقام المعرض فيها، بهدف تجنب العشوائية القانونية.

وأوضحت أن ما يتردد عن أن مرافقين المعرض يحصلون على 7500 يورو بواقع 250 يورو يوميًا لمدة شهر، وضابط من وزارة الداخلية لمدة 15 يومًا والإقامة على حساب الجانب الأخرى، يأتى في صالح الدولة ويدر عملات أجنبية لمصر كما أنه يصب في مصلحة قطاع الآثار على عكس ما يردد بعض المغرضين.

أما فيما يتعلق بتغليف القطع الأثرية، فأوضحت أن الطرف المستضيف للمعرض يتحمل تكاليف شركة التغليف، وشركة الطيران التى تنقل القطع الأثرية، وتكاليف إقامة الوفد الذى ينوب عن وزارة الآثار فى افتتاح المعرض فضلًا عن تأمين الآثار.

وفي حال حدوث تلف لأى من القطع الأثرية، فإن الجانب الآخر يتحمل قيمة التلف عبر خصم نسبته من التأمين.

وتتراوح قيمة التأمين على القطع الآثرية المشاركة فى كل معرض بين 10 آلاف يورو و1.2 مليون يورو طبقًا لكل قطعة وحجمها.

وأشارت إلى أن المعارض الأثرية لها مردود إيجابى على القطع الأثرية التى يتم ترميمها وإعادة الاهتمام بها لتمثل مصر فى الخارج، بجانب إكساب الأثريين خبرات جديدة من خلال الاحتكاك بنظرائهم فى الخارج والتعامل مع الآثار بشكل أدق.

ومن جانبة أكد زاهي حواس، وزير الآثار الأسبق، على أهمية عودة المعارض الخارجية، مؤكدًا أنه خلال توليه الوزارة نظم معرضًا في الخارج عرض فيه 100 قطعة أثرية، وحقق عوائد أكثر من 100 مليون دولار.

وأضاف أن المعارض هي السلاح الأقوى لاستعادة السياحة إلى مصر، مشيرًا إلى أن الدعاية التي تنظمها شركات خاصة لن تجدي نفعًا.