رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

لماذا يتحرك الجيش بقوة بعد حدوث الكارثة فقط؟!.. «تقرير»

السيسي وأسامة عسكر
السيسي وأسامة عسكر


«أسمع كلامك أصدقك.. أشوف أمورك أستعجب»، هذا المثل الشعبى القديم، هو أفضل تحليل وتوصيف لشخصية الرئيس عبد الفتاح السيسي؛ فالجنرال القادم من بيروقراطية الحياة العسكرية يحلو له دائمًا إطلاق الجمل والعبارات الرنانة التى تدغدغ مشاعر الناس، بغض النظر عن واقعية هذه العبارات ونتائجها على الأرض.



ففى كلمته خلال تسليم عقود شقق سكنية بمنطقة «غيط العنب» بالإسكندرية، قال الرئيس عبد الفتاح: «لن يستطيع أحد أن يمس الدولة المصرية، ولن نسمح أن مصر تضيع مننا.. إحنا عاملين مُخطط الجيش ينتشر بمصر فى 6 ساعات لو حصل مكروه»، لكن الواقع فى سيناء يقول غير ذلك، لاسيما بعد حادثة «كمين زغدان»، بمنطقة المغارة وسط سيناء، الذى ذهب ضحيته 12 جنديًا، وإصابة 6 آخرين، وكان هذا الحادث امتدادًا لعدد كبير من العمليات السابقة، مثل قتل 25 جنديًا من قطاع الأمن المركزى فى رفح، وهجوم «كرم القواديس»، الذى راح ضحيته أكثر من 30 جنديًا، ثم حادثة «كمين الصفا»، الذى أسفر عن مقتل 15 من أفراد الكمين، ودائمًا ما يكون تحرك قوات الجيش متأخرًا لمواجهة العمليات الإرهابية، من خلال الإعلان عن تصفية أوكار الإرهابيين، وتدمير معداتهم، وكأننا ننتظر الكارثة للتحرك العسكري، خاصة أن اللواء أركان حرب نبيل أبو النجا، أحد ضباط الصاعقة القدامى، ومؤسس أول مجموعة قتالية بالفرقة «999»، قال في تصريحات نقلتها عنه الصحف: «إن الجيش يستطيع القضاء على الإرهاب دفعة واحدة من خلال عملية حربية تستغرق من 3 لـ4 أيام».




تواصل عمليات الجماعات المسلحة فى سيناء، وسقوط عدد كبير من جنود الجيش، يثير علامات استفهام حول مدى قدرة قوات الجيش على السيطرة بشكل كامل على مسرح العمليات فى سيناء؛ فعلى الرغم من معرفة انتشار الجماعات المسلحة، ومناطق نفوذها، إلا أن الجيش يواجه حربًا شرسة من تلك الجماعات يبدو فيها «مهزومًا» حتى الآن، وهو ما يؤكده حديث خبراء عسكريين يقولون أن القوات الموجودة فى سيناء «قليلة»، وغير قادرة على السيطرة على الأوضاع هناك، وهو ما يجعلنا نعود مرة ثانية لطرح حديث السيسى الخاص بـ«نشر الجيش فى 6 ساعات بمصر»، ويظهر السؤال المطروح بقوة: إذا كان يمكن نشر قوات الجيش فى مصر كلها فى 6 ساعات للسيطرة عليها بشكل كامل؟ فكم من الوقت تحتاج للانتشار فى جزء صغير بسيناء حيث مسرح العمليات؟



بداية.. تواجه الدولة الحرب فى سيناء بقوات من الجيش الثانى الميدانى، ويخرج غالبية تلك القوات من «الفرقة 16 مشاة ميكانيكى»، حيث يتناوب «لواءان» على التواجد فى مثلث العمليات الإرهابية «رفح والعريش والشيخ زويد»، وهما اللواء الثالث، واللواء 16، إضافة إلى قوات التأمين الأخرى التابعة لـ«الجيش الثالث الميداني»، والشرطة.



غالبية العمليات التى تقوم بها الجماعات المسلحة فى سيناء تُصيب وتُسقط جنود وضباط «الفرقة 16 مشاة»، ومع ذلك يشكك البعض فى عدم استهداف الجيش بقوة لأماكن تمركز هذه الجماعات، ومخازن أسلحتهم، فضلًا عن عدم توقف العمليات ضد الجيش بالرغم من تهجير أهالى سيناء من منطقتى رفح والشيخ زويد وهدم منازلهم، لتصبح المنطقة مفتوحة للاشتباكات والمواجهات والعمليات الحربية، مع الجماعات المتطرفة، وهو التكتيك الذى يعتمد على خلق ما يسمى عسكريًا «الأرض الحرام» التى يتم إخلاؤها من السكان؛ لقتال الإرهابيين.



كما يكشف تواصل العمليات ضد الجيش فى سيناء، فشل الفريق أسامة عسكر، قائد منطقة شرق القناة لمكافحة الإرهاب، فى المنصب الذى استحدثه له خصيصًا الرئيس عبد الفتاح السيسى، بعد زيادة عمليات استهداف مقرات الجيش والشرطة المصرية فى شمال سيناء.



كما يعلن الجيش عقب تزايد الهجمات، إطلاق العمليات العسكرية لاقتلاع جذور الجماعات المسلحة في رفح والعريش والشيخ زويد، ومن أهم هذه العمليات «حق الشهيد» التي أطلقتها القوات المسلحة في سبتمبر 2015، لتتم على 3 مراحل أساسية، شاركت فيها قوات إنفاذ القانون من الجيشين الثاني والثالث الميدانيين، مدعومة بغطاء جوى من الهليكوبتر المسلح، وبالتعاون مع عناصر الشرطة المدنية، ودائمًا ما كان يخرج المتحدث العسكري العميد محمد سمير، للحديث عن نجاح هذه العملية العسكرية، ولكن الواقع يقول غير ذلك.





نتائج هذه العملية كانت تصفية ٥٣٥ عنصرا مسلحا، وضبط ٦٣٤ مطلوبًا فى مناطق متفرقة من شمال ووسط سيناء، وتدمير ١١١ عربة، بالإضافة إلى التحفظ على 8 عربات أخرى، إلى جانب إحراق ٢٥٠ دراجة نارية تستخدم فى الهجوم على الأكمنة والارتكازات ونقاط المراجعة الأمنية التابعة لقوات الجيش والشرطة، وتدمير 38 مخزنًا للأسلحة والمواد المتفجرة والعبوات الناسفة، وللمؤن الغذائية والمواد التموينية ومهمات الإعاشة.



بعد عملية «حق الشهيد»، تم إطلاق عملية أخرى تحمل اسم «الصقر الجارح» والتي استهدفت تنظيم «بيت المقدس» في سيناء، وشاركت فيها أيضًا قوات من الجيشين الثاني والثالث.



التقارير عن هذه العملية تشير إلى مقتل نحو 70 إرهابيا، وإصابة 130 آخرين بجراح بالغة في ضربات قامت بها القوات المسلحة من خلال طائرات الأباتشي ومدفعية الجيشين الثاني والثالث حيث دمرت 7 بؤر كبيرة في توقيت واحد.



كما أسفرت الحملة عن تدمير 20 سيارة ربع نقل، و30 دراجة بخارية كانت تستقلها تلك العناصر الإجرامية.



يبدو واضحا دائما قوة رد الفعل بعد كل عملية يتعرض لها الجيش فى سيناء، فتبدأ عمليات الثأر بعدها مباشرة معلنة القضاء على البؤر الارهابية والجماعات المسلحة رغم وجود هذه البؤر نفسها منذ وقت ليس قصير، والمفترض أن الأجهزة المخابراتية على علم بها، ولم تحصل على المعلومات عنها وأماكنها بعد تعرض رجال القوات المسلحة لعمليات عدائية فقط.



من ينظر إلى خريطة سيناء بتأمل يستطيع فك كثير من الألغاز، وتحليل الأحداث بشكل أكثر واقعية، مناطق القتال و الأحداث لا تزيد عن 60 كم عرضا من الشرق إلى الغرب فى 20 كيلو مترا طولا من الجنوب إلى الشمال، وحيث أن الحدود الشمالية تطل على البحر المتوسط الذي سيطر عليه قوات حرس الحدود والقوات البحرية بينما الحدود الشرقية تقع عند مدينة رفح المصرية وجنوبها وكلها مناطق يسيطر عليها الجيش المصري وليس أدل على ذلك من عمليات هدم الأنفاق وتفجير المساكن التى تقع بهذه المنطقة لإخلاءها وفق خطة أعلنت عنها القواات المسلحة بشكل واضح، تبقى الحدود الغربية والتى لم تتمدد إليها التنظيمات المسلحة بسيناء وهى كذلك مناطق مكشوفة وسهل على الجيش السيطرة عليها خصوصا أنها مرفقة بالطرق، والحدود الجنوبية التى يظهر علي الخريطة تمركز المعسكر الشمالى لقوات حفظ السلام متعددة الجنسيات فيها، و الذي لم تقترب منه الجماعات التى تعلن تواجدها بسيناء ومسؤولياتها عن العمليات مثل جماعة أنصار بيت المقدس وتنظيم ولاية سيناء.




إذا لماذا بعد مرور ثلاث سنوات على دخول القوات المسلحة حربها الفتوحة ضد الإرهاب لا تزال العمليات قائمة بل تتطور ومازالت الجماعات المسلحة ترتع هناك ؟



وتعد منطقة الشيخ زويد من أخطر الأماكن التى تتركز فيها الجماعات المسلحة المناهضة لحكم السيسي، لاسيما جماعة «أنصار بيت المقدس» التى توجد فى الجنوب الشرقى والغربى، وتتركز هذه الجماعة فى قرى «اللفيتات، والزوارعة، والتومة، وأبو العراج، أبو البريص، والحمراوى، والرطيل، وصحراء الجميعي».



قوات الجيش تستهدف الجماعات الموجودة فى هذه المناطق عن طريق القصف بشكل يومى بالمدفعية، أو بالقصف الجوى، وطائرات «إف - 16»، وطائرات حربية أخرى من نوع «الأباتشي».



أما منطقة جنوب شرق الشيخ زويد، فتضم قرى «الظهير»، و«المقاطعة»، وتعيق الطبيعة الجغرافية المعقدة لهذه القرى سيطرة الجيش عليها، خاصة مع وجود خبراء عسكريين يرون أن القوات الموجودة هناك لا تستطيع السيطرة على الوضع المعقد فى هذه الأماكن.



ويبلغ تعداد سكان الشيخ زويد قرابة 60 ألف نسمة، ينتمى أغلبهم لقبيلة «السواركة»، أكبر قبائل المدينة، وتأتى بعدها 3 قبائل أصغر هى «الريشات والرميلات والترابين».



ولا تدخل الشيخ زويد ضمن عمليات إخلاء السكان التى ينفذها الجيش فى مدينة رفح الحدودية مع قطاع غزة، المجاورة للشيخ زويد.



وتعد قرى جنوب رفح من المناطق التى توجد بها الجماعات المسلحة أيضًا، مثل قرية «البرث» التى يسيطر عليها تنظيم الدولة الإسلامية «داعش»، والذى تمكن من تفجير وحدة عسكرية كاملة فى هذه القرية، ثم تأتى قرية «شيبانة» التى تتحرك فيها الجماعات المسلحة بسهولة؛ بل وتهاجم قوات الجيش فتجبرها على الفرار.

قرية «المهدية» من معاقل تنظيم الدولة بسيناء، كما توجد قرى أخرى مثل: «جوز أبو رعد»، و«الطايرة»، وقرية «الخرافين» وقرية الوفاق.



من المناطق الأخرى التى تتركز فيها التنظيمات المسلحة "العريش"، والمناطق الواقعة شرق سيناء والتى تبدأ من كمين الريسة وحتى المنطقة الحدودية برفح على طول الطريق الدولى الساحلى.



كما توجد أيضًا جماعات مسلحة على الطريق الذى يربط بين منطقة المزرعة حتى منطقة الجورة، جنوب الشيخ زويد، وقرية الطويل، ومنطقة كرم القواديس، و«الشدايدة».



وتوجد التنظيمات المتطرفة فى مدينة العريش والتى تتركز بالمنطقة الواقعة جنوب الطريق الدائرى، وخاصة فى قرى «أبوطبل» ومنطقة «العقدة» وفى المزارع التى تسمى مزارع الزيتون.



ومن أكثر الأماكن التى توجد بها عمليات إرهابية، المنطقة الواقعة ما بين مدخل مدينة العريش، وحتى كمين «الميدان».



وتنتشر الجماعات المسلحة بالمنطقة الحدودية ووسط سيناء، بل فى بعض المناطق بمدينة العريش، وتقوم أفكارها على «تكفير جنود وضباط الشرطة والجيش بشكل واضح».



وقال اللواء «نبيل فؤاد»، الخبير العسكرى، ومساعد وزير الدفاع الأسبق، أن مواجهة الجماعات الإرهابية فى سيناء تتم طبقًا لحسابات دقيقة، وليست مجرد عملية عشوائية، لافتًا إلى أن حجم قوات الجيش الموجود فى رفح والعريش والشيخ زويد كافٍ لتنفيذ العمليات الحربية ضد البؤر الإرهابية، ولسنا فى حاجة لتنفيذ ما يطالب به البعض من سياسة «نشر الجيش فى 6 ساعات فى سيناء».





وأضاف الخبير العسكرى، أن الأزمة التى يواجهها الجيش فى سيناء أنه يحارب عدوًا غير معروف، ولا يتمركز فى مناطق محددة، وإنما تتبع هذه الجماعات أسلوب «حرب العصابات» ضد قوات التأمين الموجودة فى مثلث الإرهاب، مشيرًا إلى أنه لا يمكن تحديد فترة زمنية معينة للقضاء على الجماعات التكفيرية فى سيناء.



وأكد «فؤاد»، أن أمريكا بكل عتادها وقواتها العسكرية لم تستطع مواجهة «حرب العصابات» فى فيتنام، وظلت 10 سنوات فى هذا المستنقع.



ولفت الخبير العسكرى، إلى أن هناك قوى إقليمية تمد الجماعات الإرهابية بالمال والسلاح، وهو ما يُصعب من عملية القضاء على تلك الجماعات.



فى نفس السياق، قال اللواء إبراهيم شكيب، الخبير العسكرى، أن حديث الرئيس عبد الفتاح السيسى الخاص بنشر الجيش فى 6 ساعات كان المقصود منه توجيه رسالة تحذيرية لجماعة الإخوان المسلمين فى حالة اللجوء للعنف خلال الفترة القادمة.



وأضاف أن حديث الـ«6ساعات» ليس المقصود منه حرب الإرهاب فى سيناء، خاصة أن عملية نشر الجيش تحتاج إلى إجراءات إدارية، وتكاليف مادية كبيرة، ونقل كميات كبيرة من الأسلحة.



وتابع:«عملية نشر الجيش تحتاج إلى تقدير موقف خاصة مع صعوبة الأرض، ووجود المناطق الجبلية الوعرة فى سيناء»، لافتًا إلى أن الكارثة الأساسية فى سيناء كانت وجود كمية كبيرة من الأنفاق، ولكن تم إصدار قرار بهدم هذه الأنفاق؛ للتخلص من الإرهاب.



وتابع:«الجماعات الإرهابية كانت تنتشر بصورة كبيرة فى مناطق محظور التواجد العسكرى فيها، ولكن بعد خروج الإخوان المسلمين من الحكم، وجهت مصر خطابًا رسميًا لإسرائيل لإبلاغها بأنه سيتم الدخول فى هذه المناطق للقضاء على الإرهاب وهو الأمر الذى تم بالفعل».



وقال الخبير العسكرى، إن الدولة نجحت فى القضاء على الإرهاب بنسبة 90%، ولكن الخطورة أن الجماعات الإرهابية الموجودة فى سيناء تحولت إلى تنظيمات دولية تدعمها دول بصورة لا تنقطع، ولهذا فإن الصراع سيطول، لافتًا إلى أن العمليات الحربية فى رفح والعريش والشيخ زويد، تحتاج إلى قوات عسكرية معينة.



ويرى أيمن السيسى، الباحث فى شئون الإرهاب، إن هناك العديد من الدلائل التى تؤكد أن الجيش نجح فى حرب الجماعات الإرهابية فى سيناء، ومنها نقل مسرح العمليات الإرهابية إلى القاهرة، وقلة العمليات الإرهابية الكبيرة، وأن نسبة الجماعات المتطرفة حاليًا تصل إلى 30 % عما كانت عليه بعد «30 يونيو».



وقال إن مسألة «نشر الجيش» فى سيناء هو أمر خاص بالقيادات العسكرية، خاصة أن لكل منطقة وقطاع قوات معينة خاصة بها، لافتًا إلى أن الفريق أسامة عسكر، نجح فى حرب الجماعات الإرهابية بسيناء ولكن الجماهير العادية لا ترى الصورة كاملة.



وتابع:«الجيش يعمل فى سيناء من خلال خطط مدروسة.. ومن يتحدثون عن فشل مواجهة الجماعات الإرهابية يقفون فى موقف المتفرج».