رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

إغلاق مصنع «بيبي زان» يكشف تورط وزير سابق في أزمة «ألبان الأطفال»

مظاهرات الحصول على
مظاهرات الحصول على علب الألبان

خلال الفترة القليلة الماضية، تفجرت الأزمة الخاصة بـ«ألبان الأطفال»، والتي كانت عاملًا مهمًا في غضب المواطنين، ودليًلا على استمرار فشل الحكومة في مواجهة الأزمات الاقتصادية.


كما كانت هذه الأزمة، كاشفة عن غياب الرقابة والدقة في تقدير عمق الأزمة، إضافة إلى غياب التنسيق بين قطاعات الدولة، ما أسهم في إحراج الحكومة بالإضافة لمؤسسات أخرى كانت بعيدة عن الرأي العام.


تساؤلات كثيرة، ظهرت على السطح مع بزوغ الأزمة تتعلق بالشركات المسئولة عن استيراد ألبان الأطفال، وحجم الاستيراد، وعدد الأطفال المستحقين للألبان الصناعية.


بداية.. ألبان الأطفال يتم تصنيعها في الأصل من ألبان الأبقار المُعالجة، بمعنى تبديل نسب البروتين في حليب البقر ليكون مشابهًا للبروتين الموجود في «لبن الأم»، إضافة لنزع الدسم منه، وفي مصانع إنتاج ألبان الأطفال، يتم شراء الحليب الخام البودرة من مصانع كبرى، وعددها قليل، وتتركز أغلبها في أوروبا نظرًا لغزارة إنتاج الحليب بهذه الدول لتوافر أعداد ضخمة من الأبقار.


بحسب دراسة اقتصادية لإنتاج وتصنيع اللبن في مصر للدكتورة رشا شعلان بجامعة عين شمس، فإن إنتاج الألبان في العالم بلغ 651 ألف و518 طنًا، في حين بلغ إنتاج مصر من الألبان 4 ملايين طنًا فقط، وأن الأبقار والجاموس هما المصدرين الرئيسيين للألبان، ويساهمان بنحو 97,5%.


وأثناء عملية التعبئة والتصنيع لألبان الأطفال، يتم إضافة مكونات إضافية مثل الفيتامينات والأملاح المعدنية والدهون المُصنعة المُشبعة وغير المُشبعة، وهي عملية معقدة، وتحتاج لتقنيات وتجهيزات عالية، فضلًا عن وجود أجهزة مراقبة على أعلى مستوى.


ويُضاف إلى ألبان الأطفال نحو 30 مكونًا من دهون وفيتامينات ومعادن، وكلاً منها له مصدره وتاريخ صلاحيته ومعدلاته وظروف تخزينة، وفي إنتاج ألبان الأطفال يجب مراعاة صلاحية المنتجات والمكونات الإضافية، ومن ثم يتم تعبئته في مناخ خاص من غاز خامل، حتى لا تنمو أي بكتيريا.


وغالبًا ما تكون صلاحية ألبان الأطفال نحو 18 شهرًا فقط من تاريخ الإنتاج، أما بعد فتح العلب واستخدامها، تكون فترة الصلاحية شهرًا واحدًا فقط.


وتتفاوت نسب الأطفال الذين يحتاجون للألبان الصناعية، إذ تقدرهم دراسات بـ 162 ألف طفل بنسبة 6% من إجمالي المواليد سنويًا المقدرين بـ 2 مليون طفل، في حين يشير مركز «الحق في الدواء» وهو منظمة حقوقية تهتم بمجال الدواء، إلى أن أعداد الأطفال يتجاوز الـ 265 ألف طفل في العام.


أزمة الألبان

بدأت جذور أزمة الألبان خلال عهد وزير الصحة السابق الدكتور عادل عدوي، والذي ألغى صفقة توريد الألبان للوزارة، بعد طرح صفقة أخرى بشكل جزئي بين الشركة المصرية لتجارة الأدوية "وهي إحدى شركات القطاع العام لصناعة الدواء الـ9" وبين عدد من الشركات الخاصة، إلا أنه بعد تدخلات من مراكز حقوقية ونقابة الصيادلة، اضطر إلى إلغاء الصفقة.


ولكن الشركات الخاصة اعترضت، ما أرغم الوزير السابق عادل عدوي، على إعادة صفقة الألبان، والتفاوض بين الشركة المصرية لتجارة الأدوية وبين شركة «مالتي فارما»؛ إلا أنه تم إلغاء المناقصة بعد الإعلان عن شبهات فساد شابت الصفقة، فضلًا عن وجود استغاثة قدمتها الشركة المصرية لتجارة الأدوية العام الماضي، نُشرت في إحدى الصحف القومية.


كانت الشركة المصرية تهدف من خلال الاستغاثة إلى إلغاء المناقصة، وترسية الصفقة عليها بالأمر المباشر، كما يحدث عادةً، خاصة أن إجمالي الدعم الذي تقدمه الدولة للألبان الصناعية يقدر بنصف مليار جنيه.


ومع الضغط والخوف من سيطرة القطاع الخاص وشركات الدواء الخاصة على صفقات ألبان الأطفال، اضطرت الوزارة إلى ترسية صفقة الألبان على الشركة المصرية لتجارة الأدوية للمرة الثالثة، لتكون وكيلا للشركات العالمية المنتجة للألبان، وهي شركات "ليبتوميلك 1&2 سويسرية – سويسلاك برايرم 2&1 هولندية – بيوميل 2&1 بلجيكية – ناكتاليا 2&1 تركية".


كانت الصفقة تنص على توريد 18 مليون علبة «لبن أطفال»، منها 12 مليون من سن يوم وحتى 6 أشهر، و6 ملايين من سن 7 أشهر وحتى سنة" بتكلفة 600 مليون جنيه، منها 465 مليون جنيه دعم تقدمه وزارة الصحة على عبوات ألبان الأطفال.


إغلاق مصنع «بيبي زان»

في خلفية هذا؛ كانت مصر قد بدأت استيراد الألبان منذ نحو 12 عامًا، بعد إغلاق وزير الصحة الأسبق حاتم الجبلي مصنع «بيبي زان»، والذي كان ينتج لبن للأطفال على تشغيليتين، الأولي: من سن يوم وحتى 6 أشهر، والثانية: من 7 أشهر وحتى عام.


ويرى الدكتور أحمد فاروق، رئيس لجنة الصيدليات بنقابة الصيادلة، أن هناك خطة ممنهجة لأن تكون مصر دائمًا في احتياج للخارج، مشيرًا إلى امتلاك مصر لمصنع إنتاج ألبان للأطفال أنشئ منذ عام 1996، تحت اسم «بيبي زان» وظل يعمل حتى تم إغلاقه من قبّل وزير الصحة الأسبق، حاتم الجبلي.


وكان وزير الصحة الأسبق، أغلق المصنع عام 2006 بعد نحو 10 سنوات من العمل، إثر شكوى تم تقديمها لوزارة الصحة بخصوص وجود عيب في تشغيلة المصنع، خاصة بعد عدم ثبوت صلاحية العبوات للاستخدام الآدمي.


وخلال الأزمة تم سحب نحو 400 ألف عبوة، وتم وقف توزيع مليون عبوة بالشركة المصرية لتجارة الأدوية، والتي كانت توفر احتياجات ألبان الأطفال من مصنع «بيبي زان» المذكور، ويشير فاروق إلى وجود شبهة تعنت من قبّل وزير الصحة الأسبق حاتم الجبلي في إغلاق المصنع، خاصة بعد الإعلان عن فساد الألبان بسبب رداءة التخزين.


وأشار إلى أن الشركة المصرية للأدوية استمرت في استيراد الألبان من الخارج بعد عدم توافر الإنتاج محليًا؛ والشركة المصرية لتجارة الأدوية هي شركة قطاع عام يبلغ رأس مالها المدفوع 300 مليون جنيه موزع على 30 مليون سهم.


استمر الوضع على هذا حتى قامت الشركة بالتعاقد مع صفقة ألبان اتضح أنها فاسدة.


دخول المخابرات على خط الأزمة

وكشفت لجنة شكلتها وزار الصحة لإجراء فحوص معملية على عينات من الألبان المدعمة للأطفال، تم استيرادها من قبّل الشركة المصرية لتجارة الأدوية عن عدم صلاحية التشغيليتين "5472 – 5492" المنُتجة بمعرفة شركة فاسكار البلجيكية.


وفي أغسطس من العام الماضي، قدمت السفارة المصرية في باريس ردًا على استفسار من قبّل رئيس إدارة الطب العلاجي الدكتور أحمد سعفان، على بعض أصناف ألبان الأطفال، كشفت من خلاله أن كل أصناف الألبان التي تم استيرادها غير موجودة بالصيدليات في باريس وغير مدرجة أصلاً بالصيدليات.


وهذا ينافي شرطًا مهمًا وضعته وزارة الصحة لاستيراد الألبان، إذ لابد وأن تكون الأصناف المستوردة مستعملة في الخارج، ومدرجة في صيدليات بلد المنشأ.


وهذا ما دفع وزارة الصحة إلى الموافقة على تفويض المخابرات العامة في أمر استيراد ألبان الأطفال بنظام الأمر المباشر خلال شهر أكتوبر من العام الماضي. وكان هذا بداية لدخول جهات سيادية على خط الأزمة، ثم اكتملت الصورة بإعلان الجيش خلال الفترة الأخيرة عن استيراد 12 مليون عبوة لبن خلال أيان.


وزير التوريط

في الأصل، كان يتم توزيع الألبان المدعمة عن طريق الوحدات الصحية والتي يبلغ عددها 620 وحدة، إضافة لمنافذ الشركة المصرية دون ضوابط محددة والصيدليات؛ لذا أرادت وزارة الصحة ضبط كميات الألبان، فقرر وزير الصحة أحمد عماد، تغير منظومة التوزيع واستبدالها باستخدام الكارت الذكي للحصول على الألبان المدعمة.


وقال «عماد»، إن الصيادلة يُهَربون الألبان ويتم استخدامها في مصانع الحلويات، لذا سيتم توزيع الألبان الصناعية من خلال وحدات الرعاية الصحية المنتشرة في كل المحافظات، والتي يصل عددها لـ1005 وحدة صحية.


وتم إسناد الأمر لوزارة الإنتاج الحربي لتصميم منظومة الكارت الذكي، ، وأعلن وزير الصحة في شهر أغسطس الماضي، أنه بداية من أول سبتمبر سيتم توزيع الألبان وفقا لمنظومة الكارت الذكي، وتم سحب الألبان من منافذ الشركة المصرية ومن الصيدليات.


ولكن مع بداية شهر سبتمبر الجاري، لم تكن وزارة الصحة قد فعّلت منظومة الكارت الذكي، ولم يتم عمل الكروت للأسر المستحقة للدعم، وتسبب هذا في تجمهر الأهالي أمام منافذ الشركة، يوم الخميس الماضي.


وزارة الصحة، لا توجد لديها أزمة نقص في لبن الأطفال، ولكن الأزمة حدثت بسبب عدم وجود إستراتيجية كاملة للوزارة، فإذا ما تعطلت منظومة الكارت الذكي، يكون هناك منافذ بديلة لتوزيع الألبان، إلا أن شيئًا من ذلك لم يحدث.


يشار إلى القوات المسلحة، كذبت وزير الصحة الدكتور أحمد عماد الدين، وأعلنت على لسان متحدثها الرسمي العميد محمد سمير، عدم امتلاكها أي مخزون من لبن الأطفال، وأنها سوف تستورد الألبان خلال الشهر القادم.


الصيادلة تقدم الحل

ويلفت أحمد فاروق، رئيس لجنة الصيدليات، إلى أن إغلاق المصنع كان بحق «إهدارًا للمال العام» وعقابًا للشعب المصري ككل، خاصة وأنه بعد غلق المصنع بدأت مصر تعتمد بشكل كلي على الاستيراد من الخارج وخاصة من الدول الأوروبية.


لذا قامت نقابة الصيادلة بتقديم مشروع لوزاتي الصحة والإنتاج الحربي من أجل إنشاء مصنعين، واحد لإنتاج المحاليل الطبية، والثاني لإنتاج ألبان الأطفال، وفقا لفاروق، مشيرًا إلى توفير قطع أرض في محافظة سوهاج وبني سويف لإقامة المصانع.


وعن اتهام وزير الصحة للصيادلة بتهريب ألبان الأطفال المُدعمة لمصانع إنتاج الحلويات، يوضح «فاروق»، أن هذه الاتهامات باطلة تمامًا، مشيرًا إلى عدم دخول الألبان المدعمة للصيدليات منذ أكثر من 20 عامًا، خاصة وأنه كان يتم توزيعها في منافذ الشركة المصرية لتجارة الأدوية.


كما أن كل الألبان الموجودة في الصيدليات، كانت تلك المدعومة دعمًا جزئيًا، أو التي تبُاع بالسعر الحر، وفقا لرئيس لجنة الصيدليات.


ويكمل «فاروق»، أن وزير الصحة أحمد عماد الدين أدمن إحراج الحكومة بتعطيله للجنة صناعة الأدوية، لأنه "رجل جاهل وغير كفء، وكان يجب على رئيس الحكومة إقالته".


مافيا احتكار الألبان

ويقول محمود فؤاد، مدير تنفيذي لمركز «الحق في الدواء»، إن صناعة ألبان الأطفال تتطلب تكنولوجيا متقدمة لا تتوافر في مصر، مشيرًا إلى تخّوف المستثمرين في مجالات صناعة الأدوية بشكل عام من اقتحام سوق صناعة ألبان الأطفال، خاصة وأن السوق المحلي غير مجد بالنسبة لهم، على الرغم من وصول معدلات الأطفال الذين يحتاجون إلى الألبان الصناعية 261 ألف طفل سنويًا من إجمالي 2 مليون طفل يولدون سنويًا في مصر.


ويشير «فؤاد» إلى أن العمل في مجال صناعة الألبان قصة «شائكة» وخطيرة، إذ توجد مافيا كبيرة تحتكر صناعة الألبان في العالم، وخاصة في الاتحاد الأوروبي مثل دول «فرنسا وألمانيا والنرويج وإيطاليا وسويسرا».


ولفت إلى ضرورة وجود إرادة سياسية وتدخل من المسئولين، إذ رغبوا في إنشاء مصنع لألبان الأطفال، منوهًا إلى أنه بدون ذلك لن تتمكن مصر من إقامة أي صناعة.


وحول تكاليف إقامة مصنع دواء، خاصة وأن مصر تدعم لبن الأطفال بنحو نصف مليار جنيه سنويًا، يوضح فؤاد، أن المعضلة ليست في توفير الأموال، خاصة وأن مصر تمتلك تكنولوجيا متقدمة ومستثمرين في مجال صناعة الدواء، ولكن المهم هو توافر «الإرادة السياسية».


وكانت تقارير أفادت، بأن تكلفة مصنع لبن الأطفال لن تزيد عن 5 مليون دولار في الحد الأقصى، وهذا على حساب أن مصر تحتاج 5 مصانع، أي أن إجمالي ما تحتاجه مصر لإنتاج الألبان نحو 25 مليون دولار "225 مليون جنيه" فقط؛ هذا في حين أن الدعم المقدم للألبان انخفض من 700 مليون جنيه إلى 465 مليون جنيه هذا العام.


وهذا سيعمل على تقليل سعر العبوة من 30 جنيهًا، كما سيتم بيعها طبقًا لقرارات وزارة الصحة إلى نحو 12 جنيهًا فقط، في حين إنشاء مصانع ألبان في مصر.


ويشير «فؤاد» إلى أن سبب أزمة الألبان الحقيقية في مصر كانت وزير الصحة، الذي «ورط» الحكومة في أزمة بسبب تصريحاته وقراراته غير المدروسة مثل قراره الخاص باستعمال «الكروت الذكية»، وسحب كميات الألبان من الصيدليات والشركة المصرية لتجارة الأدوية، دون أن يُكلف نفسه عناء تجربة منظومة الكروت الذكية التي كانت لم تُفّعل من الأصل.


ويقول «فؤاد» إن الدول الكبرى ترفض تصدير تكنولوجيا صناعة الألبان لمصر، حتى تكون مصر دائمًا في احتياج لهم، مشيرًا إلى أن الأزمة ليست في عدم وجود اللبن المدعم، إذ توجد أنواعًا أخرى يتم استيرادها من سويسرا والنرويج ذات تكنولوجيا وتكلفة عالية.


الجيش على الطريق

في نفس السياق، يقول الدكتور أسامة رستم، نائب رئيس غرفة الأدوية باتحاد الصناعات المصرية، إن مصر تمتلك تكنولوجيا صناعة ألبان الأطفال، إلا أن إغلاق مصنع «بيبي زان» بطريقة غير مبررة من وزارة الصحة، جعلت الكثير من أصحاب مصانع الألبان يعزفون عن الاستثمار في هذا المجال، باعتبارها صناعة حساسة.


وأضاف «رستم»، أن هناك مخططًا بين القوات المسلحة، وبعض المستثمرين لإنتاج ألبان الأطفال، مشيرًا إلى أن ذلك سيتم خلال فترة ليست بالطويلة.


كما أنه لم تجر أي مفاوضات من قبّل وزارة الصحة لإعادة افتتاح مصنع «بيبي زان» الذي تسبب إغلاقه في اعتماد مصر على الاستيراد وبالتالي زيادة الأعباء على الدولة التي تتكلف نحو نصف مليار جنيه دعم، وفقا لنائب رئيس غرفة صناعة الدواء.


هذا بجانب، صفقة ألبان الأطفال التي عقدتها الهيئة العامة للخدمة الوطنية التابعة للقوات المسلحة، مع وزارة الصحة، والتي بموجبها سيتم توريد 5 ملايين علبة لبن صناعي من نوع «ايجي ميلك»، من خلال شركة وادي النيل التي تم تأسيسها خصيصًا لهذا الغرض.


وقبل أيام قلائل، أعلنت القوات المسلحة عن صفقة ألبان تبلغ 12 مليون عبوة، ستدخل للسوق المصري قريبًا، والتي تم تحديد أسعارها بـ 30 جنيهًا للعبوة الواحدة، بعدما كان سعرها المدعوم "5 جنيهات بالنسبة لألبان الأطفال من سن يوم وحتى 6 أشهر" و9 جنيهات بالنسبة لألبان الأطفال من سن 7 أشهر وحتى عام.