رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

حكايات حزينة تكشف «بيزنس» الزواج الممنوع في الصعيد والدلتا.. ملف

زواج القاصرات
زواج القاصرات

ارتفاع نسبة الزواج العرفي بنسبة 33% عن المعدلات الطبيعية


402 ألف فتاة قاصر تزوجن بعقود عرفية في عام 2015


123ألف حالة زواج عرفي بين مصريات وأشخاص عرب


سماسرة يديرون مكاتب لتزويج الفتيات في القرى المختلفة بالجيزة.. والثمن 15% من قيمة المهر


مهر الفتاة في زواج القاصرات يتراوح بين 70 إلي 200 ألف جنيه


ـ «أبو ليلة»: يتسبب في كارثة أخلاقية ووطنية..و«الأزهر» عليه دور كبير في محاربة الظاهرة



وسط جمع من العائلة، وقفت «أسماء»، ذات الـ15 عاما لا تصدق ما يحدث من حولها، والجميع يهنئونها بالزفاف، فعلى الرغم من أنها كانت منذ أيام تلعب مع صديقاتها، إلا أنها اليوم أصبحت عروسًا تُزف على زوجها.


كثيرًا ما سمعنا عن زواج الفتيات الصغار في السن، هذا الأمر الذي تحول فيما بعد لقصص وروايات وأعمال فنية، وظن الجميع أن تلك الظواهر ستختفي من مجتمعنا مع زيادة نسبة المتعلمين، وزيادة وعي للمواطنين؛ لكن هذه الظاهرة السيئة عادت لتطل من جديد بعد انتشارها في محافظات الدلتا والصعيد، وكانت واقعة خِطبة طفل عمره 12 عامًا، على طفلة 10 أعوام، بقرية «المعصرة» التابعة لمركز «بلقاس  بالدقهلية، أبرز وقائع زواج القاصرات في الفترة الآخيرة، والتي كانت سببًا في إثارة الرأي العام.


الإحصائيات تكشف العالم الخفي

على الرغم من أن مواد قانون الطفل وقانون العقوبات، تجرم تزويج الفتيات الصغيرات اللاتي يقل عمرهن عن 18 عاما، ووجود قانون الأحوال المدنية رقم 14 لسنة 1994 الذي نص على «أنه لا يجوز توثيق عقد زواج لمن لم يبلغ من الجنسين ثماني عشرة سنة ميلادية كاملة، ويعاقب تأديبيا كل من وثق زواجا بالمخالفة لأحكام هذه المادة»، لكن كل تلك القوانين لم تمنع انتشار الظاهرة، خاصة مع انتشار طريقة العقود العرفية عند اتمام عملية الزواج.


وكشفت دراسة للمركز القومي للبحوث الجنائية والاجتماعية، أن زواج القاصرات انتشر خلال الفترة الأخيرة من خلال عقود الزواج العرفية بعد ارتفاع أسعار الذهب والأجهزة الكهربائية، وذكرت الدراسة أن نسبة الزواج العرفي ارتفعت خلال العام الحالي والماضي بنسبة 33% عن المعدلات الطبيعية، حيث يتراوح عدد حالات الزواج العرفي التي تتم يوميًا، من 522 إلي 720 حالة، فيما بلغت نسبة زواج القاصرات اللاتي لا تتجاوز أعمارهن الـ14 عاما 40% من إجمالي حالات الزواج العرفي الذي تتم يوميًا، بينما بلغت نسبة زواج القاصرات خلال عام 2015 إلى 402 ألف حالة زواج.


وأكدت الدراسة، أن هناك أكثر من 537 ألف طفل ضحايا للزواج العرفي، يعانون من جراء التفكك الأسري والطلاق الناجم عنه، منهم نسبة تصل إلى 35% ضحايا لزواج القاصرات في المجتمع المصري، فضلا عن تعرض 76% من الفتيات اللاتي يتزوجن وهن في عمر أقل من 13 عاما، إلي أضرار في الجهاز التناسلي، تصل في بعض الأحيان إلي استئصال الرحم نتيجة تعرض «الجهاز التناسلي» لتهتك كامل.



وذكرت الدراسة كذلك أن هناك 123 ألف حالة زواج عرفي تمت بين مصريات وأشخاص عرب، وكانت نسبة زواج القاصرات بين هذه الحالات 58%، بالإضافة إلى ظهور أنواع مختلفة من الزواج، منها الزواج السياحي وزواج المتعة، والتي ارتفعت نسبة هذه الزيجات في مصر ليصل إجمالي هذه الزيجات إلي 268 ألف حالة، كانت أغلبها لزواج مصريات من عرب.


وأشارت الدراسة إلى أن هناك مناطق انتشر فيها زواج القاصرات، منها بعض القرى التابعة لمحافظة الجيزة، وهي قرى "طموه والحوامدية والعزيزية"، حيث وصلت نسبة الزواج العرفي في "طموه" إلى 48% من إجمالي الزيجات، وفي "الحوامدية" بلغت النسبة 52%، ووصلت في العزيزية إلى 30%.


وأوضحت الدراسة، أن ظهور الزواج العرفي كان في بداية التسعينيات من القرن الماضي، حيث كان في القاهرة، ولكنه انتشر بعد ذلك في المحافظات، أما زواج القاصرات فكان موجودًا منذ القدم، كما انتشر العديد من السماسرة الذين يكونون سببًا في زواج الفتيات الصغيرات في السن من أثرياء عرب باستخدام العقود العرفية، ما يعد نوعًا من أنواع «زواج المتعة».


وأرجعت الدراسة سبب انتشار زواج القاصرات إلى ارتفاع نسبة الفقر داخل المجتمع المصري، وهذا ما يجعل الكثير من الأسر الفقيرة في المجتمعات المصرية توافق على زواج بناتهم الصغيرات في السن من أثرياء عرب، ويكون الدافع وراءها هو الحصول على الأموال، والبحث عن الثراء السريع، خاصة أن هناك 66% من الفتيات يقبلن بالزواج بدافع التقليد للعديد ممن سابقوهن، كما أن هناك نسبة 46% من الفتيات التي يتزوجن في السن الصغير يتعرضن إلى الطلاق والزواج مرات عديدة أخرى بدافع الاعتياد علي الأمر.


وكشفت الدراسة العالم الخفي لـ«بيزنس» زواج القاصرات من الأثرياء العرب بواسطة «السماسرة» الذين يأتون بالرجال ويعرضون عليهم الفتيات لاختيار إحداهن، ومن ثم يبدأ التجهيز للزواج، من خلال كتابة عقد زواج عرفي من نسختين، يأخذ العريس نسخة ليحتفظ بها، بينما تذهب النسخة الأخرى لأهل العروس، وأن المهر يصل في بعض عمليات الزواج من 70 إلي 200 ألف جنيه.


وكشفت الدراسة كذلك أن «السماسرة» يديرون مكاتب لتزويج الفتيات في القرى المختلفة بالجيزة، ويحصل السمسار على 15% من قيمة «المهر»، مضيفة أن هناك أماكن ينتشر فيها زواج القاصرات، منها محافظات الدلتا، سواء كفر الشيخ أو المنوفية، فضلا عن انتشار زواج الفتيات من أثرياء عرب في المناطق السياحية، سواء بالقاهرة والجيزة، والأقصر وشرم الشيخ.


وكشفت دراسة أخرى أن محاكم الأسرة استقبلت خلال العام الماضي، 64 ألف قضية إثبات نسب، سببها الزواج العرفي.


كما بلغت قضايا إثبات زواج القاصرات 35 ألف قضية، فضلا عن 3 آلاف طالبة دعاوى إثبات زواج، بسبب زواجهن بعقود عرفية.


حكايات حزينة لضحايا زواج القاصرات

وتنظر محاكم الأسرة العديد من القضايا التي كشفت عن الحياة المأساوية التي تعرض لها العديد من الفتيات بسبب الزواج في سن صغير من أثرياء عرب، حيث وقفت «مديحة.ك»، 23 عامًا، أمام محكمة الأسرة بالزنانيري، تروى تفاصيل قصتها في دعوى أثبات نسب طفلها، قائلة: «نشأت في أسرة فقيرة، فأبي أجري باليومية التي تكفي بالكاد لإطعامنا، وعندما بلغت 16 عاما، أصيب والدي بفيرس سي، وأصبح لا يستطيع العمل، والإنفاق على باقي أفرد الأسرة، حتى عرضت إحدى جيراننا على والدتي، أن تزوجني لأحد الأشخاص ليساعدهم في الإنفاق علي الأسرة، وعلى الرغم من صغر سني إلا أن والدتي لم يكن لديها حل أخر، وذهبت أنا ووالدتي والسيدة الأخرى، إلى مكتب للتزويج، وهناك قابلنا رجل وبعد سماع قصتنا، قال لنا إن العريس موجود، فهو ثري من إحدى الدول العربية، سوف يدفع مهرًا كبيرًا في الحصول على زوجة جميلة وصغيرة في العمر مثلي، وتم الاتفاق على أن يحضر الرجل ومعه العريس العربي إلى منزلنا».


واستكملت:«وبعد أسبوع، كان العريس في منزلنا، وعلى الرغم من أنه كبير في العمر، إلا أنني لم أكترث بهذا الأمر، فكل تفكيري في ذلك الوقت كان ينصب في الإنفاق على أشقائي الصغار، ودفع لي مهرًا 50 ألف جنيه، وأخبرني أنه يوم كتابة عقد الزواج سيقدم شبكة ذهب، وخلال أيام كان العريس العربي وصاحب مكتب التزويج والشهود في المنزل، وجاء بعقد زواج عرفي، وتمت عملية الزواج، وقدم لي العريس مصوغات ذهبية تقدر قيمتها بـ30 ألف جنيهًا، أخبرني أنها الشبكة الخاصة بي، وانتقلت معه إلى شقة سكنية بوسط القاهرة، وعلى الرغم من تقدمه في العمر، ألا أنه كان يحاول إسعادي، فكل طلباتي مجابة، وأعيش حياة رغدة، وبعد فترة من الوقت أخبرني زوجي أنه سيسافر إلى بلده لأداء بعض المهام الخاصة بعمله، وطلب مني الذهاب إلى منزل والدي، حتى لا أظل بمفردي في الشقة، وغاب عني لمدة تزيد عن الـ6 شهور، وعاد مرة أخرى وظل معي».

وتابعت «مديحة»: «استمرت الحياة هكذا.. يأتي زوجي ويسافر لمدة 4 أعوام، وفي أحد الأيام بعد عودته من السفر، أخبرته أنني حامل، ولكنه أصيب بصدمة شديدة، وسألني عن كيفية حدوث الحمل وهو مسافر لمدة 4 شهور، ووجدته يتهمني بالخيانة، وعندما تشاجرت معه لاتهامي بهذا الأمر، غادر المنزل، واعتقدت أنه سوف يعود بعدما يهدأ، ولكنه لم يعد، وبعد أيام وأنا أحاول الاتصال به ولكن دون جدوى، سألت عنه أحد معارفه في القاهرة، وعلمت منه أنه سافر إلى الخارج».


وتكمل «مديحة»: «اعتقدت أنه سوف يسافر وبعد فترة يعود، خاصة أنه ترك العديد من الأشياء الخاصة به في الشقة، ولكنه لم يعد، حتى وضعت طفلي في بيت والدي، وعندما عدت إلى الشقة وجدت صاحب العقار يطلب مني مبلغا من المال ثمن إيجار الشقة، الذي كان يدفعه زوجي له ولكنه اختفي، فأخبرته أنني لا أملك الأموال لدفع الإيجار، فطلب مني ترك الشقة، وأعطاني مهلة 15 يومًا حتى أرحل عنها، وأخذت كل ما أملكه وما يملكه زوجي، وعدت إلى منزل والدي، وحاولت الذهاب لقيد طفلي بعقد الزواج العرفي، لكن السجل المدني رفض هذا الأمر، خاصة أن العقد غير مسجل بالشهر العقاري، ووالد الطفل غير موجود».


وختمت «مديحة» وعينها مليئة بالدموع:«منذ 3 أعوام وأنا أحاول إثبات نسب الطفل، ولكن دون جدوى، حتى لجئت لرفع دعوى قضائية لإثبات نسب الطفل لوالده الذي اختفي».


العجوز يضرب زوجته ويتهمها بالخيانة

فيما كشفت "هدى.م"، 25 عاما، في دعوى الخلع التي أقامتها، تفاصيل حياتها المأساوية بعد زواجها وهي صغيرة في السن بعقد عرفي من رجل كبير في العمر، حيث وقفت أمام محكمة الأسرة بمدينة نصر تقول: «كان عمري17 عامًا، حتى وجدت والدي يخبرني أنه سيتم عقد قراني علي رجل كبير في السن يعمل مقاولا بالقاهرة، ولم أكن أعلم ما يعنيه الزواج، وعلي الرغم من ذلك فإن والدي لم ينتظر وقتا طويلا وكان الزفاف، وسط أفراد أسرتي فقط، وكنت فرحة بالملابس الجديدة، والطعام الشهي الذي وضع علي موائدنا لأول مرة في هذا اليوم، حيث أن أسرتنا فقيرة».


وتابعت:«وعلمت من والدي أنني سأذهب للقاهرة للإقامة مع زوجي في منزل جديد، ما جعلني أشعر بخوف شديد لأنني سابتعد عن والدتي، ولكن والدي أجبرني على هذا الأمر، وذهبت للعيش معه، في إحدى الشقق السكنية بمدينة نصر، ومع قدوم الليل، بدأ العذاب حيث عاشرني جنسيا دون أي رحمة كأنه يغتصبني، وعندما اعترضت، وجدته يغضب ويعنفني بشدة، حتى تركته يفعل ما يريد، وعلمت وقتها أنني سوف أعيش حياة صعبة، وهذا ما كان، حيث اكتشفت أن زوجي، والذي يبلغ من العمر 52 عاما، عصبي وصاحب شخصية عنيفة، ويغضب من أقل الأشياء، ودائما ما يعتدي على بالضرب عندما اعترض علي أي شئ».


واستطردت «هدى»: «ورغم ذلك لم اعترض، من أجل والدتي وأشقائي، ولكنني وجدته يغيب عني بالأيام التي ربما تصل إلي أسبوع، وأظل وحيدة لا أعلم ماذا أفعل، وعندما واجهته بهذا الأمر أخبرني أنني لابد أن أطيعه، ولا أسال كثيرًا، ولأنني كنت أخاف منه جدا لم أتحدث ثانية، وبدأت السنوات تمر وأنا حبيسة الشقة، لا أشعر بالفرحة غير الأيام القليلة التي أذهب لأرى فيها أسرتي».


واستكملت:«ومع مرور الوقت، تعرفت علي شخص كان يسكن بجوارنا، وبدأنا نتحدث كثيرًا، حتى علم أنني متزوجة من رجل يكبرني كثيرا في السن، وأخبرني أنه سوف يعلم عنه كل شئ وسوف يخبرني به، وبالفعل عاد وأخبرني أنه متزوج ولديه أولاد كبار يعملون معه في المقاولات، ولا يعلم أحد زواجي منه، الذي يخفيه عنهم».


صممت «هدي» للحظات حتى ملئت الدموع عينيها ثم قالت:«أثناء حديثي مع هذا الشخص، جاء زوجي، وعندما رأى ذلك، اتهمني بالخيانة، وهددني بالقتل، فأخبرته أنه لم يحدث شئ بيننا، ومع ذلك، سيطر الغضب عليه، وظل يضربني حتى فقدت الوعي، ونقلني إلي المستشفى، وأخبر أسرتي بما حدث، وبعد خروجي من المستشفى، لم أعد إلى منزله مرة أخري، ورفعت دعوى خلع منه».


وختمت:«أنا الآن أقف أمام المحكمة أطلب الخلع من هذا الرجل، الذي ربما يقتلني في المرة القادمة، كما أنني لن أستطيع العيش معه بعد ذلك».


الأزهر يحذر من زواج القاصرات

وتعليقًا علي هذه الظاهرة، قال الدكتور محمد أبو ليلة، أستاذ العقيدة والفلسفة بالأزهر، إن تزويج الفتيات القاصرات، حرام شرعًا مادامت الزوجة لم تبلغ الحلم، أما إذا كانت الفتاة بلغت الحلم، وتم استيفاء جميع أركان الزواج، من الإشهار وتواجد ولي أمر العروس، وإقامة الفرح، ووجود شهود علي العقد، فهو جائز شرعًا، ولكن غير صحيح قانونيًا، لأنه يتم بدون عقد موثق.


وأضاف "أبو ليلة"، لـ"النبأ"، أن الزواج العرفي، يتسبب في كارثة أخلاقية ووطنية من جميع الجوانب، خاصة أن الفتاة تتعرض للإيذاء البدني والنفسي، فضلا عن ضياع حقوق كلا الزوجين، كما أنه لا يحفظ النسب للأطفال.


وأوضح أن انتشار الزواج العرفي، وزواج القاصرات، السبب فيه وجود تعقيدات في قوانين الزواج، مثل وصول الفتاة إلى سن الـ18 عاما، لافتًا إلى أن الأزهر والأوقاف، عليهما دور كبير في التوعية الدينية للشيوخ وأئمة المساجد.