رئيس التحرير
خالد مهران
count
count

الدولة تتهمهم بالعنف والجهاديون يرونهم فرطوا في الشريعة.. الإخوان بين المطرقة والسندان

النبأ

منذ فض اعتصام رابعة العدوية، في 14 أغسطس 2013، اعتادت جماعة الإخوان على إحياء تلك الذكرى بالمظاهرات الحاشدة، التي كان يستعد الأمن لها ربما قبلها بأشهر، والتي كانت تتجه إليها جميع أنظار وسائل الإعلام والمراقبين، ودائمًا ماتثير الجدل والنقاش في مصر.


ورغم أن الذكرى الثالثة لفض اعتصامي رابعة والنهضة، مرت دون مظاهرات مثلما كان في الأعوام الماضية،  ولكنها أبت أن تمر دون مزيد من الجدل، الذي انطلق دون توقف منذ تاريخ الذكرى، ولكن لم يكن الإخوان هم صانعوه هذه المرة، هذا الجدل بل كانوا هم ضحيته.


ففي توقيت واحد، وخلال فترة لم تتجاوز عشرة أيام، وبالتزامن مع ذكرى رابعة العدوية، تلقت جماعة الإخوان 4 ضربات من اتجاهات مختلفة كان أبطالها، تنظيم ولاية سيناء، والظواهري، قائد تنظيم القاعدة، والشيخ محمد حسان، والشاب أحمد المغير.


وكان الهجوم الأول على الجماعة من تنظيم ما يعرف بولاية سيناء، فرع "داعش" في مصر، حيث نشر التنظيم الإرهابي فيديو يستعرض أعماله الإرهابية التي قُتل خلالها عدد من أفراد الجيش، بعنوان "لهيب الصحراء "،  وشن فيه التنظيم هجومًا على جماعة "الإخوان المسلمين " ووصفهم بـ"المنافقين" الذين ظلوا يرددون شعارات السلمية حتى تم قتلهم بدم بارد.


ودعا الفيديو ضمنيًّا شباب الإخوان لترك الجماعة والانضمام للتنظيم لإقامة ما أسماه بـ"دولة الإسلام" والقصاص لدماء إخوانهم.


وبعدها بأيام جاء الهجوم الثاني على الجماعة، من زعيم تنظيم القاعدة، أيمن الظواهري، الذي هاجم جماعة "الإخوان المسلمين" ومؤسسها حسن البنا، واصفًا إياهم بـ"المنافقين".


وقال الظواهري في شريط فيديو نشره التنظيم، السبت 13 أغسطس ، "إن حسن البنا ارتكب أخطاءً جسيمة، أدت لمفاهيم فاسدة، نتجت عنها كوارث مدمرة... حيث بايع الملك فاروق، هو وشباب الجماعة على السمع والطاعة، ووصفوه بحامي المصحف".


وأضاف زعيم القاعدة "أن الجماعة استمرت في نفاق الملك فاروق حتى موته، ثم تحالفوا مع جمال عبد الناصر، ثم السادات، ولما قُتل تحالفوا مع حسني مبارك، ثم  انقلبوا عليه، واصطفوا وراء البرادعي مبعوث العناية الأمريكية".


وتابع الظواهري قائلا: الإخوان ظنوا أنهم حققوا ما كانوا يتمنونه طول عمرهم بفوز محمد مرسي برئاسة الجمهورية... فما هو إلا حاكم علماني لدولة علمانية لا فرق بينه وبين حسني مبارك".


ووصف الظواهري جماعة الإخوان المسلمين بأنهم "تربوا في مزرعة دواجن، يرتضوا بأي شيء يلقى لهم ولم يلتفتوا لمحاربة الذئاب".


بينما جاءت الضربة الثالثة من الداعية السلفي الشهير محمد حسان،  في حوار صحفي الأحد، الماضي، حيث اتهم الإخوان بأنهم رفضوا مبادرة تبناها هو؛ للمصالحة بين الإخوان والدولة، مؤكدًا أنه ذهب إلى الإخوان وقيادات تحالف دعم الشرعية، فأخبروه بتمسكهم بعودة الرئيس المعزول محمد مرسي، وبمراجعتهم طلبوا عدم فض اعتصام رابعة بالقوة، وهو ما وافق عليه الفريق أول عبد الفتاح السيسي، وقتها، بشروط، إلا أنهم رفضوا الصلح.


وأضاف أن "عمرو دراج"، القيادي بالجماعة قال له إن "آشتون"، مفوضة العلاقات الخارجية للاتحاد الأوروبي، قالت لهم "اقبلوا بالأمر الواقع"، على حد قوله.


أما الهجوم الرابع على الجماعة فجاء من بين المحسوبين عليها على الأقل على المستوى الإعلامي، رغم نفي الجماعة، وهو الشاب أحمد المغير، الذي قرر أن "يضرب كرسي في الكلوب"، ويطلق تدوينة على صفحته الشخصية على فيس بوك: "هل اعتصام رابعة كان مسلحًا؟، الإجابة ممكن تكون صادمة للكثيرين: أيوة كان مسلح، أو مفترض أنه كان مسلحًا، ثوانى بس عشان اللى افتكر إنه كان مسلح بالإيمان أو عزيمة الشباب أو حتى العصيان الخشب، لأ اللى بتكلم عليه الأسلحة النارية كلاشات وطبنجات وخرطوش وقنابل يدوية وملوتوف ويمكن أكتر من كده، كان فيه سلاح فى رابعة كافى إنه يصد الداخلية ويمكن الجيش كمان، إلا أن قبل يوم الفض بيومين كان 90% من السلاح ده خارج رابعة، وخرج بخيانة من أحد المسؤولين من "إخوانا اللى فوق" في "جماعة الإخوان".


وتعرض المغير لهجوم شديد من الإخوان، فقام بحذف منشوره ، وقال :"نزولا على رغبة عدد ممن أحب وأثق من الأخوة أخفيت المنشور السابق على غير رغبة مني لكن لي عودة إن شاء الله معه لا محالة يومًا ما".

فلماذا انطلق الهجوم على جماعة الإخوان من كل الاتجاهات؟، وما هو السر وراء التزامن الغريب لهذا الهجوم الرباعي؟.


فبالنظر إلى الأطراف الأربعة التي هاجمت الجماعة نجد أن لكل منهم هدفًا يختلف عن الآخر، ولكنهم اختاروا توقيت ذكرى فض رابعة ليكون لرسائلهم تأثير مضاعف، ويتم إبرازها وبروزتها إعلاميًا.


فبالنسبة لهجوم ولاية سيناء على جماعة الإخوان، فهو يبدو منطقيًا ومتناسقًا مع مبادئ ولاية سيناء، لأنها تختلف عن الإخوان فكريًا، وفشلت في استدراجها لمربع العنف الذي تنتهجه، فالتنظيم يستحل دماء معارضيه ويكفرهم، ولا يتوانى في قتلهم، ولذلك فهو يهاجم  جماعة الإخوان؛ لأنها لا تفعل مثله، ولا تتبنى منطقه في استخدام العنف، ولذلك دائمًا ما يصفهم بالجبناء والمنافقين وتاركي الجهاد.


ولكن الدلالة الأقوى التي يحملها الفيديو هي في توقيته، فبالعودة لإصدارات ما يعرف بولاية سيناء نجد أن التظيم أصدر فيديو بالتزامن مع ذكرى ثورة يناير الماضية، حمل عنوان "رسائل من أرض سيناء 2"،  دعا فيه الإخوان لاستخدام العنف ضد النظام،  ودعاهم ، إلى الانتفاضة المسلحة ضد النظام ومن يعاونه.


وفي حديث موجه لجماعة الإخوان المسلمين، قال أحد عناصر "ولاية سيناء": "ها هي السلمية المزعومة التي لم تقتل إلا أهلها، وها هي بالديمقراطية والعلمانية مدعومة، وقد بان عوارها لكل الناس".


وخلال تلك الأشهر الست التي تلت هذا النداء وهذه الدعوة من تنظيم ولاية سيناء،  لم يستجب الإخوان لدعوات التنظيم، ولم يتبنوا خيار العنف، ولذلك قرر أن يعاقبهم على التزامهم بالسلمية ليصفهم بالمنافين في الفيديو الذي أصدره مؤخرًا ويدعوا شباب الجماعة لتركهم والتخلي عن أفكار الجماعة السلمية المنبطحة.


ذات الهدف سعى له أيمن الظواهري، في هجومه الأخير على الجماعة، ففي الوقت الذي امتدح فيه الجماعات الإسلامية في سوريا التي تقاتل النظام، هاجم الإخوان في ذات الفيديو، ووصفهم "بالدجاج، الذي لم يلتفت لقتال الذئاب"، وفي التوصيف دلالة لاتخطؤها عين عن رغبة الظواهري من الإخوان استخدام السلاح ورفضهم له، والتزامهم بالخط السلمي.


أما الشيخ محمد حسان، فقرر أن يهاجم الإخوان بذات الكلام الذي قاله شقيقه محمود حسان العام الماضي، ولكن لم يلتفت كثيرون له، لأنه لم يصدرعن حسان نفسه، واختار محمد حسان أن يسرد أحداثًا نفاها شهودها الذين استدل هو نفسه بهم، وأبرزهم عمرو دراج، الذي أكد أنه لم يقابله على الإطلاق.


وتوقيت التصريح، اختارته جريدة الوطن المؤيدة للسلطة في مصر، لتفتح له المجال للحوار، وحصلت منه على ما أرادت وهو الهجوم على الإخوان ومعتصمي رابعة، ونشرت الحوار بالتزامن مع الذكرى الثالثة لفض الاعتصام.


وتناقلت وسائل الاعلام بكثافة هذا التصريح، كذريعة لتحميل مسئولية الدماء التي سالت في رابعة، وبدأت في الدفاع عن محمد حسان، بعد فترة طويلة من الهجوم عليه، وامتدحته باعتباره داعية لحفظ الدماء، في حين تجاهلت دعواته المتكررة لإراقة الدماء وحمل السلاح في سوريا.


أما الهجوم الرابع على الجماعة فجاء من الشاب أحمد المغير؟  فهل كان ما قاله عن رابعة العدوية صحيحًا؟ وما الذي دفعه لتوريط جماعته في تهمة ظلت طوال الوقت تحاول السلطة إلصاقها بها وهي تنفيها عن نفسها، ليتطوع دون مقابل في أن يؤكد ادعاءات معارضيه.


فأحمد المغير من أكثر الشخصيات المثيرة للجدل، ويعد من أبرز الشباب الذين لم يظهروا عبر إعلام الإخوان، ورغم أن والده من أبرز رموز الجماعة في الهرم، ولكن طوال الوقت كانت تصريحات قيادات الجماعة منذ بروز اسمه في 2012، تؤكد أنه لا ينتمي لها، حتى أن الدكتور محمود غزلان - عضو مكتب الإرشاد بجماعة الإخوان المسلمين - خرج ليؤكد  فى تصريح سابق، عدم انتماء أحمد المغير لجماعة الإخوان.


حيث قال نصًّا : "إن المغير شاب يحاول أن يلتصق بالجماعة (بالعافية) ويتحدث كشاب من جماعة الإخوان، والإعلام يستغله كأنه شاب من الجماعة ويتحدث باسمها.


ورغم أن المغير قال إن اعتصام رابعة كان يضم أسلحة، إلا أن عربتي بث تواجدتا طوال اليوم تقريبًا ونقلت جميع ما يجري في الميدان وهو مالم يظهر به صور لأسلحة بحوزة المعتصمين أو حتى الصور التي بثتها القنوات التي رافقت الشرطة أثناء الفض أو القنوات والجرائد الأجنبية، كما أن عددًا تجاوز المائة شخص قتلوا في أحداث المنصة والحرس الجمهوري، فلو تواجد سلاح باعتصام رابعة، كان من الأولى استخدامه في تلك المواجهات.


فضلًا عن أن ميدان رابعة العدوية نفسه، هو أحد أبرز ميادين مدينة نصر شرق القاهرة، ويحوي أكبر عدد من مقرات القوات المسلحة في القاهرة، من بينها وزارة الدفاع نفسها، وكانت قوات الجيش  تعد كمائن وتقوم بتفتيش من يتجه ناحية الميدان، مما يجعل الحديث عن نقل كميات من الأسلحة تكفي لمواجهة الجيش والشرطة أمر غير معقول لأنه من غير المتصور أن يسمح الجيش بذلك، كما أن خروج كميات من الأسلحة من الميدان قبل يومين من الفض دون رصدها أمر أيضًا غير معقول، خاصة أن قوات الجيش أو الشرطة لم تعلن في أي وقت أنها عثرت على أسلحة قبل يوم الفض.


الأرقام الرسمية نفسها، حتى وإن كان البعض يراها تميل للمبالغة، وإلصاق التهم باعتصام رابعة، ولكنها تكشف جانبًا كبيرًا من حقيقة وجود أسلحة في ميدان رابعة.


فعدد قتلى قوات الشرطة يعتبر هو الرقم الأكثر دلالة على وجود أسلحة أم لا، فلا يتصور أحد أن الإخوان أحضروا كميات من الأسلحة ليقوموا بتسليمها للشرطة، فالعدد الحقيقي لضحايا الشرطة لم يتم إعلانه بشكل واضح، ولكن في اليوم التالي لفض رابعة، شهد اللواء محمد إبراهيم جنازة 4 ضباط، قال إنهم لقوا مصرعهم في الاشتباكات التي حدثت بين الشرطة وأنصار الرئيس المعزول محمد مرسي أثناء فض اعتصامي ميدان رابعة وميدان النهضة، فلو أن شخصين قُتلا في رابعة العدوية، وآخران في النهضة، فالحديث عن وجود أسلحة يتنافى مع الإعلان عن سقوط اثنين فقط لأنه في حالة وجود كميات من الأسلحة فإن العدد مرشح للتضاعف ربما لأكثر من 100 ضعف.


وحتى تقرير  لجنة تقصي حقائق 30 يونيو التي أعلنت في 26 نوفمبر 2014، برئاسة الدكتور فؤاد عبد المنعم رياض، القاضى الدولى السابق وأستاذ القانون، رفع عدد ضحايا الشرطة إلى 8 قتلى، وهو رقم  يظل محددود في حالة المواجهة مع عناصر مسلحة، طوال 12 ساعة هي مدة فض الاعتصام، وخاصة أن قتلى رابعة يقدر بالمئات.


وأما عن عدد الأسلحة التي تم ضبطها، بافتراض صحة رواية وزارة الداخلية، فإنها أعلنت في اليوم التالي للفض أنها عثرت في ميدان رابعة على  9 أسلحة آلى، و طبنجة، 5 فرد محلى، وهي وإن صحت فهي كمية محدودة فضلا عن أن تقرير لجنة تقصي الحقائق، ارتفع بعدد الأسلحة المتواجدة بميدان رابعة العدوية إلى 51 سلاحًا  ناريًّا، والتباين الواضح في الرقمين يشكك في مصداقيتهما معًا، ويشير أن الرقمين مبالغ فيهما، والأقرب هو أن الميدان لم يكن به أسلحة.


تبقى الرواية الأكثر معقولية هي التي ذهب إليها عدد من شهود العيان في رابعة وهي أن بعضًا من شباب الإخوان جاءوا بعد فض رابعة وكان بحوزة بعضهم أسلحة خرطوش وطبنجة واشتبكوا مع قوات الشرطة خارج الاعتصام، وهو ما أدى لسقوط 4 من أفرادها أو 8 وفقًا لتقرير لجنة تقصي الحقائق، ولكن تظل الحقيقة الكاملة عن سر الهجوم المتزامن وإن كان هناك من يقف خلفه لا يعلم تفاصيلها أحد.